للموت فى مصر طقوس وتقاليد متوارثة.. لها تكلفة نفسية ومالية كبيرة، لذلك لايمارسها الفقراء بشكل كامل، وينتجون تقاليد خاصة بهم وخطابا مضادا مهزوما وناقما، يتجه فى بعض تجلياته نحو رفض ونقد خطاب الموت الشائع والمهيمن اجتماعياً. لكن تظل سمة الحرمان والهزيمة هى المسيطرة على هذا الخطاب.
فالحرمان المادى والفقر والتهميش الاجتماعى، لا تمّكن من ممارسة خطاب الموت والحزن المتعارف عليه اجتماعياً، فطقوس الجنازة لدى الأشد فقرا تعتمد على تبرعات الآخرين، ولا يوجد مدفن خاص بالعائلة، ومن ثم لا يجد المتوفى سوى مدفن من مدافن الصدقة، مزدحما بالغرباء من كل بلد ولون وجنس، وفى هذه الحالة لا مجال لكتابة اسم المتوفى أو تاريخ وفاته. شعور مرير متوارث من آلاف السنين، فقد كان الفقراء فى مصر الفرعونية يشعرون بالعار، لأنهم لم يتمكنوا من حفر اسم المتوفى أو صنع تمثال بهيئته كى تستدل به الروح على الجسد عندما يبعث المتوفى.
نفس الشعور بالحرمان، مع اختلاف العصور والأديان يحتوى الفقراء فى مصر عند موت شخص منهم، لأنهم ببساطة لن يتمكنوا من توزيع فطير الرحمة والنور أو الفاكهة والشوريك على روح الفقيد، كما لن يكون بمقدورهم استئجار مقرئ لتلاوة القرآن الكريم على قبر المتوفى، أو تقديم طعام للأهل والأصدقاء، وعادة لا يقيم الفقراء ليلة عزاء بالمعنى المتعارف عليه اجتماعياً، وغالباً ما تقتصر ليلة العزاء لديهم على وضع قليل من الكراسى أمام المنزل لاستقبال المعزين، وتقديم الشاى والماء فقط لهم، وربما يتحول حزن بعض الفقراء لفرحة من نوع ما، عندما يأتى لهم أحد الأغنياء أو كبار القوم معزياً، وهذا الثرى قد يلجأ لذلك تواضعاً منه أو لكسب تأييد شعبى مثلما يحدث من بعض مرشحى الانتخابات.
سلسلة من الحرمان عن ممارسة خطاب الموت والحزن. لذلك لن يكون أمام أهل المتوفى من الفقراء سوى البكاء الحار، والعويل ولطم الخدود، ليس فقط من أجل المتوفى العزيز إلى القلب، بل على أوضاعهم الاجتماعية التى يدركون فى موقف الموت والحزن، كم هى بالغة الضعف والتهميش، خاصة عندما يكون المتوفى رب الأسرة أو العائل الوحيد.
يتضاعف الشعور بالحزن وبوطأة الموت، فأهل المتوفى هنا ومع الحرمان والتهميش يشعرون بالعجز ومرارة الحزن والهزيمة. لكن الهزيمة ربما تتعلق بالدنيا، أما الآخرة فهى فضاء متسع كى يعوض الخطاب المهزوم قدراً من هزيمته. فالجنة فى انتظار الميت الفقير.. من هنا يتعلق فقراء المحروسة بتقاليد الإسلام الوهابى فى الدفن، فلا قبر محددا ولا شاهد لقبرا فكل أرض الله تصلح للدفن، وطقوس العزاء تقتصر على يوم واحد، ويجب أن تكون بسيطة لتمنح الجميع العظة، فيقتصر العزاء على مراسم الدفن، وتقبل العزاء أمام القبر، وإذا أقيمت ليلة عزاء تكون بسيطة للغاية، وغالبا ماتكون فى منزل المتوفى أو فى الشارع أمام بيته، حيث يتبرع الجيران ببعض الكراسى التى ترتب بشكل عشوائى بحسب المساحة المتاحة من الشارع أو الرصيف. ويأتى المعزون ويذهبون سريعاً، وبعضهم يقرأ القليل مما يحفظ من آيات القرآن الكريم ترحماً على المتوفى بدون مكبرات صوت أو إضاءة، أما أيام الخميس الثلاثة، والأربعين فهى ليست من الإسلام وبالتالى لا داعى لها، كذلك الحال بالنسبة لزيارة المقابر، فهى مكروهة فى الإسلام، ويجوز الترحم على الموتى من أى مكان فى الأرض. وإذا تطلب ضيق الصدور زيارة المقابر، فلها طقوس وممارسات غير مكلفة، فلا فطير رحمة فهو من البدع، كذلك من غير المستحب قراءة القرآن عند القبور بمقابل مادى، بل يمكن لأهل المتوفى قراءة قصار السور، وهذا من وجهة نظرهم هو الأفضل لأن أجره سيصل للمتوفى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور حسن حجاج
حضرتك عايز أيه ! و عايز مين ! و ما هو المطلوب الأن ! و أنت عايش معانا ! ولا مع مين !!