1 - التحصين والثورة:
استمعت إلى الحديث الجاد والدقيق والمهذب للسيد الرئيس عدلى منصور، ولن أناقش كل ما قاله، فالرجل لا يكذب ولا يتجمل، ويبدو حريصًا على مصر أكثر من كثيرين.. أضاء نقاطًا كثيرة فى حياتنا السياسية
وحين جاء إلى الحديث عن تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية قال إنه وضع أمام مجلس الوزراء كل المقترحات التى قدمها هو، والمجلس الأعلى للقضاء، والجمعية العامة للمحكمة الدستورية، ومن ثم فمجلس الوزراء هو الذى اختار التحصين كإحدى الطرق المقترحة لعمل اللجنة. ورغم ما بدا من حديثه من دفاع رصين عن ذلك
حرصًا على الوقت، وعلى تقدم البلاد فى خطة الطريق، ففى النهاية لم يكن هو صاحب القرار. ورغم ما فى الحديث من قدرة على الإقناع، فإننى سأسمح لنفسى بالاختلاف معه، فمسألة الاستقرار فى الثورات لا تأتى بقرار، لكن تأتى بتقدم الثورة فى طريقها، وإفراز أصدقائها من أعدائها حتى تستقر الحياة، ودائما يأخذ ذلك وقتًا طويلًا. ولقد رأينا كيف انحرفت الثورة عن طريقها بتولى الإخوان الحكم
ثم كيف استطاعت الثورة أن تقصيهم.. كان هناك ثمن لذلك، ولا يزال، لكنه من المؤكد أقل مما كان يمكن أن تدفعه الثورة لو نجح أحمد شفيق.. كان الإخوان سيقودون الثورة ضده فى الشارع، ومعهم شباب الثورة الذين انتفضوا ضد مبارك ورموزه، ثم كان الإخوان سيصلون إلى الحكم، ولكن بعد أن تفقد الثورة جانبًا كبيرًا، كان يمكن أن يكونوا معها ضد الإخوان
ومن ثم كانت مسألة إبعادهم أصعب وأفدح ثمنًا، رغم ما يدفعه الوطن من ثمن الآن. استقرار الثورات أشبه بالانتخاب الطبيعى، فمع حركتها إلى الأمام، لا يبقى فيها إلا الأصلح، حتى لو تراجعت مرة للخلف ما تلبث أن تعتدل.. وفى كل الأحوال تحقق شيئًا من المكاسب، وأهم ما تحقق حتى الآن هو كشف سوءات الإخوان، وقدرة الشعب على عزل رئيسين فى زمن قياسى
وانكسار حاجز الخوف عند الناس.. ويظل السؤال: هل التحصين سيدخل بنا فى الاستقرار؟.. للأسف لا، لأن الرئيس القادم، من كان، ومهما كان، وكيف جاء، ولو جاء بدون أى خطأ فى الإجراءات، أو أدنى شبهة تزوير، سيظل متهمًا بذلك مادام لم يتم النظر فى أى اتهام
وهكذا ستجد المعارضة له مساحة كبيرة من النقد تتحرك فيها، وسيظل دائمًا معرضًا للقيل والقال، ولن تستقيم الأحوال إلا بالرعب والخوف، وهو ما لم يعد ممكنًا. كانت الأحوال لن تستقر حقًا مع عدم التحصين، لكن سيكون الثمن أقل..
وهكذا صار على هذه الثورة أن تدفع من وقتها، وروح وآمال شعبها الكثير لعلاج الأخطاء، والأسوأ ما تدفعه بلا معنى ويمكن مبكرًا تفاديه.
2 - باسم يوسف:
أعترف بأننى من المعجبين بباسم يوسف، ودافعت عنه أكثر من مرة كمقدم برنامج ساخر من نوع جديد قوى ومثقف ومغامر، وظاهرة من ظواهر الثورة الإيجابية.
وبالطبع لست أنا المعجب الوحيد، بل الملايين، فبرنامجه هو الأول بين البرامج، لكن ما فعله باسم يوسف من إعادة صياغة مقال لكاتب أجنبى ثم نسبته لنفسه أمر- فضلًا على كونه خطأ كبيرًا- حيرنى كثيرًا.. كيف لم يدرك أن له أعداء يتربصون به وينتظرون منه أن يسقط؟
كيف لا يدرك قانون حماية المؤلف الذى وقعت عليه مصر، والذى يلزم أى شخص يستفيد مما كتبه الآخر أن يثبت ذلك فيما يقدم، وأن يدفع أيضا حقوق الغير، ويحصل على موافقته؟..
للأسف باسم يوسف فيما يبدو لا يعرف قيمة نفسه، وهذا هو ما يحيرنى جدًا.. لقد تحول كما نعرف إلى مادة رهيبة للسخرية من أعدائه، أو غير المعجبين، على مواقع الإنترنت، ولم أستطع أن أدافع عنه لأن حق المؤلف حق مقدس، ولقد وصل سوء حظه إلى مدى أن يكون المؤلف الأصلى يهوديًا، فيسخر منه، ويقول هكذا تكون تعاملت مع الصهيونية، بما معناه قمت بالتطبيع.. إنها غلطة الشاطر.
مؤكد، لكن أيضًا السطو على كتابات الغير إثم كبير لا يليق بمثقف مثله، ليس أصلا فى حاجة إليه، فما يحصل عليه من برنامجه من التفاف الناس حوله أكثر ملايين المرات من كتابة المقالات، كما أنه يكتب فى جريدة مهمة أصابها كذلك كثير من الهجوم، وبالطبع لا تعرف هى مصدر المقال.. صحيح أنه اعتذر، ووضع اسم صاحب المقال على موقع الجريدة
لكن قانون حماية المؤلف لا يسمح من الأصل بالاقتباس من المقال أو تحويره.. ثم ما لك يا باسم بقضايا القرم والحرب الباردة وأنت تقدم كل ساخن عن قضايانا؟ ماذا يضيف ذلك إليك؟ لم أكن أحب أن تقع فى هذا الخطأ الفادح.
3 - زكريا عبدالعزيز:
سيندهش البعض من كتابتى عن هذا المستشار الجليل الذى لم أعرفه شخصيًا إلا فى ميدان التحرير لثمانية عشر يومًا، ولعام كامل أيام الجمع بعد ذلك.. عرفته من قبل حين وقف القضاة بالمرصاد لنظام مبارك، وأعجبت به مثل الآلاف غيرى، والتقينا على محبة فى الميدان،
سببها هذه المعرفة المسبقة منى، ومتابعته لكتاباتى التى عرفتها من نقاشنا معًا.. كانت لنا لحظات حلوة بالميدان فى الصباح والليل، ولحظات صعبة، بعد ذلك بدأ ميل المستشار زكريا للإخوان، لكنه لم يكن على طريقة فجة، وكان هادئًا، وأصابه بعض النقد، رغم أنه لم يجعل من الموضوع حياة أوموتًا، كما فعل غيره، ثم اختفى سيادة المستشار تمامًا تقريبًا عن الحياة العامة بعد أن تأزمت الأمور بين محمد مرسى والثورة، كأنه نفض يديه من الأمر كله.. لم نتناقش، ولم نلتق، وفوجئت بالمجلس الأعلى للقضاء يدرس إحالته إلى الصلاحية بسبب ممارسته السياسة فى جماعة قضاة من أجل مصر
وليس لى الحديث فى أمور القضاء لكنّ لى سؤالًا: ألم نكن فرحين به أيام مبارك؟ وبعد ذلك ألم تكن معارضة القضاة لمحمد مرسى ممارسة للسياسة أيضًا؟.. لم يكن المستشار الجليل زكريا عبدالعزيز مثل غيره من قضاة هذه الجماعة فى الانتماء الفج للإخوان، فلا كان ظاهرًا فى الفضائيات، ولا متحدثًا فى الأمر بحماس
ولا مشاركًا فى حكم الإخوان بأى منصب آخر.. على أى حال، هذا ما كان بينى وبين الرجل، وأشعر أنه من الواجب أن أقوله.. أحببته مثل غيرى أيام نضال قضاة الاستقلال، ولم نتلاقَ، وأحببته فى الميدان، وظل كل عام يهاتفنى بعد أن باعدت بيننا الحياة يوم 29 يناير ذكرى لقائنا فى الصباح الباكر بعد يوم الثامن والعشرين الدامى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة