لا يختلف الإنسان كثيرًا عن بقية مخلوقات الله، لكن الفارق الأعظم يكمن فى تفاعل الإنسان مع بيئته، وقدرته على البقاء، ومقدرته على تطويع مفردات الحياة لرغباته وتطلعاته، فأى «قطيع» يقدر على أن يأكل ويشرب مما أتيح له من زرع ومياه، لكن إذا ما نضبت المياه، أو جف الزرع يقف «القطيع» حائرًا، ومقررًا الهجرة إلى بيئة أخرى لعله يجد فيها المأكل والمشرب، وإذا لم يجد ما يبتغيه هلك واندثر.. وحده الإنسان هو من فكر فى أن يزرع المحصول بعد المحصول ليضمن تجديد الزرع، ووحده أيضًا من فكر فى إقامة السدود والخزانات ليضمن توافر المياه، ليضمن بتلك التدابير بقاءه، وليتحول من «مخلوق» مهدد بالفناء إلى «مخلوق» متنعم بالحياة، لكن ما الذى صنع من الإنسان إنسانًا؟ هذا هو السؤال.
الثقافة وحدها هى التى جعلت من الحضور الإنسانى شيئًا جديرًا بالتأمل، ولذلك تنكب الدراسات الاستكشافية على دراسة ثقافة الإنسان فى العصور المختلفة، عن طريق تأمل ما تركه من آثار، وفحصها ودراستها، وهذه الآثار سواء كانت مادية أو أدبية هى وحدها التى استطاعت أن تخلق عالمًا متناميًا متطورًا وجميلًا، فالآثار هى الدليل المادى على الحضارة والتقدم، وهى المرآة التى تعكس قدرة الإنسان على الحياة، ورغبته فى تجميلها، وطريقته فى التفاعل مع مفرداتها، لذا لا تمثل قطعة الآثار التى تراها فى المتاحف أهمية كبيرة فى حد ذاتها، لكن أهميتها تكمن فى أنها الدليل المادى على الوجود الجمالى للإنسان، وعلى قدر عظمة هذه القطعة الفنية ودقتها، تكون عظمة صانعها، ورفعة موطنه.
المؤلم فى الأمر أن برامج مرشحى الرئاسة فى الانتخابات الماضية خلت تقريبًا من كل ما يمتّ بصلة للثقافة، ولا أبالغ إذا قلت إنها تعاملت مع المواطن المصرى كما لو كان «مخلوقًا» يريد البقاء فحسب، وليس إنسانًا يريد أن يثبت وجوده فى العصر الحديث بطريقته الخاصة، واجتهدت هذه البرامج الرئاسية جميعها فى التعهد ببناء دولة حديثة عن طريق اقتراح العديد من المشروعات التنموية، لكنها للأسف أغفلت وضع الثقافة على قائمة أولوياتها. والغريب أنه حينما أشرفت مصر على الغرق فى سنة حكم الإخوان المظلمة، لم يجد الشعب المصرى إلا ثقافته الأصيلة ليتشبث بها، فهل يستوعب السادة المرشحون المحتملون هذا الدرس؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
33 سنه ولم نتعلم - قبل الانتخابات يبوسوا ايدينا وبعد الانتخابات يتفوا علينا
بدون