محمد الدسوقى رشدى

الوصول للرئاسة فى 5 خطوات

الأربعاء، 26 مارس 2014 10:02 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المشهد لا يتوقف أبدًا عند صورة المرشح الرئاسى، ولا لونه ولا طبيعة زيه، ولا اسم المؤسسة التى ينتمى إليها.. المشهد أكبر وأعم.. يتكون من عدة صور، أقلها قيمة صورة المرشح، وأكبرها قيمة وأكثرها خطورة ما يتم بناؤه فوق هذه الصورة، أو ما يتم تمهيده من أجل عبور تلك الصورة من نفق الترشح إلى حيث نور الكرسى الرئاسى.

الأهم هنا ليست الصورة. ولا ملامح صاحبها. سواء كان مشيرًا أو مرشحًا سابقًا فى انتخابات الرئاسة الماضية، أو مرشحًا غامضًا يظهر فجأة.. المعطيات التى تصحب كل مرشح فى طريقه نحو كرسى الرئاسة هى الأهم.. هناك معطيات تجعل من أحدهم عادلًا وديمقراطيًا، وأخرى تجعل الآخر «خيال مآتة» تأتى به أجهزة، وتذهب به أهواء تيارات سياسية معينة، كما حدث مع مرسى، ومعطيات ثالثة تجعل من مرشح آخر طاغية، ديكتاتورًا يبدأ بثوب العادل، وينتهى أمرنا معه ونحن نراه بثوب القمع والظلم.. تأملوا المعطيات المصاحبة لكل مرشح قبل أن تتأملوا المرشح نفسه.. تأملوا خطوات الطريق إلى الكرسى قبل أن تتأملوا الكرسى نفسه، لأن الكرسى ثابت، لكن خطوات الوصول إليه متغيرة.. والمتغير دومًا قادر على أن يسحب الثابت فى ذيله.

«1»

يقول القرطبى فى معنى الطغيان إنه تجاوز الحد فى الظلم والغلو فيه، وإن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى. وأى نظرة سريعة كانت أو بعين متفحصة لكتاب الله الكريم ستكشف لك أن المولى عز وجل كان حريصًا على إعلان حرب الإسلام على كل أنواع الطغيان، طغيان الفرد أو طغيان المجتمع، وكلاهما بعد مراحل من التطور يؤدى إلى ما نعرفه نحن بالطغيان السياسى الذى أثبتت التجارب أنه يتضاعف، ويتعملق حينما تتنازل الشعوب عن حقها فى الكرامة تحت مسميات مثل «فترة وهتعدى»، «الظروف صعبة والأمن القومى يستدعى تقديم بعض التنازلات فيما يخص كرامة المواطن»، والشعوب فى العادة تتنازل وتسمح للطغيان بالانتشار تحت وطأة أمرين، أولهما أن تكون مخدوعة بكلام معسول عن القائد المنقذ الإله الذى سيحول مستنقعات الوطن إلى جنان بمجرد الجلوس على الكرسى، وثانيهما أن تكون هذه الشعوب خائفة من فرط الحديث عن غياب الاستقرار وانتشار الإرهاب والمؤامرات التى يتطوع رجال الإعلام فى بلادنا بنشرها، وللطاغية سلم يصعد عليه لممارسة طغيانه، يبدأ بخداع الناس وتخويفهم، ثم تكوين فريقه الخاص من الرجال والحرس تحت شعار الحفاظ على مطالب الشعب، ثم يبدأ رجال الفرد الطاغى فى توجيه اتهامات الخيانة والعمالة، واختراع أنواع جديدة من تهم الاغتيال المعنوى لكل شخص يرفض صناعة طاغية جديد، ويؤمن بأنه لا طغيان فى وطن يشعر مواطنوه بالكرامة.

«2»

وفى بلاد يتقدم نخبتها سما المصرى، وتوفيق عكاشة، وعبدالعاطى، ونائلة عمارة، وأحمد المغير، ويتعرض شبابها للاعتقال والسجن دون دلائل واضحة، ويتلقى علماؤها فى أكبر مراكز الأبحاث الشتائم وتهم العمالة والتخوين لأنهم لم يكتموا شهاداتهم العلمية فى مسألة جهاز كشف الإيدز، لن يتقدم الذيل فقط بل ستتحول بأكملها إلى ذيول دون رأس.

«3»

يحدث هذا فى بلد كلما تكلم أحد فيه عن الحرية والعدل والكرامة، وضرورة مكافحة التعذيب داخل الأقسام، حتى نحصل على مستقبل مشرق يرد أهل السلطة وحواشيها، وماذا نفعل فى الإرهاب؟، وماذا نفعل فى الإخوان؟، مثلما قال الإخوان من قبل، وماذا نفعل فى الدولة العميقة؟.

يحدث هذا فى بلد كلما طالب أهله بالعيش والعدالة الاجتماعية، يخرج أهل السلطة وحواشيها للحديث عن 7 آلاف سنة حضارة، وعن النهضة الموعودة المكتوبة فى برديات الفراعنة مقترنة باسم شخص واحد يعود اسمه ونسبه إلى أحد ملوك الفراعنة القدامى.

«4»

لم تعد الطوابير الظاهرة فى الشوارع تبحث عن «فراخ الجمعية» أو رغيف العيش المدعم، الطوابير فى الشوارع تحصل على «سندوتشات» ممتلئة بالكثير من مشهيات الخوف.. الخوف من الماضى المطل بظلمه، والخوف من الإرهاب المطل بدمه، والخوف من المؤامرات الكونية التى تطل بصورة أطلال سوريا والعراق، ومع كل «سندوتش» يقدمون طبقًا من «مخللات» اليأس هدية.. يأس من إصلاح يأتى بأفكار معتقة قديمة صنعتها بكتيريا كل وظيفتها أن تنقل الخضار الطازج من مرحلة الطعم الطازج إلى مرحلة الطعم المالح أو النتن.

«5»

القدسية لمن وضع النسر أو «الدبورة»، حتى ولو سحل أخاك، أو انتهك عرضه بعصا مكسورة، يأتى الطغيان من هنا.. من قلب هذا الخطاب الذى يقدس كل ما هو «ميرى»، ويطلب غض البصر عن ممارساته القمعية والأمنية والتعذيبية تحت مسمى حفظ الأمن والأمان.. يأتى الطغيان من هنا، من قلب هذا الخطاب «الفرحان» بالتسجيلات والتسريبات، ويطلب غض البصر عن كل تجسس على البشر ما داموا سيحظون بتسلية ليلية فى برنامج فضائى يعدهم بأن التجسس هو الوسيلة الآمنة لحفظ الأمن، مثلما كانت حملة تنظيم النسل هى الوسيل الآمنة لوصول مصر إلى مرحلة الانفجار السكانى.

«6»

يجلس الطغيان على الكرسى الأكبر، ويتمدد ويتوغل، ويتعملق حينما تسبقه إلى الكراسى الصغيرة والوسيطة مجموعة من الموظفين الذين تتحكم السذاجة فى عقولهم ويسيطر الغباء على تصرفاتهم.. ولكن يبقى الأمل فى كل قصص التاريخ التى تخبرك وتخبرنى بأن كل طاغية سبقته إلى الكراسى الوسيطة مجموعة من الموظفين الأغبياء الذين يشعلون الأوضاع بقراراتهم المتعجلة والمغموسة فى الغرور والغطرسة لا تطول مدة بقائه على الكرسى الأكبر.. حتى وإن أوهموا العالم أجمع بغير ذلك.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة