بنظرة سريعة على دفتر أحوال مصر، سيكتشف المرء أن نصيب المشاهير من الحبس أكبر، وأن حظوظهم من التعاسة فى ازدياد، علمًا بأن المشاهير هنا لا يمثلون جهة واحدة، فالفضيحة طالت السياسى والإعلامى والرياضى والفنان.
فى جعبة علماء الاجتماع فقط تفسير منطقى لما يحدث للإنسان حين تمتلئ جيوبه بالمال، ويزدهر نفوذه بالمنصب، ذلك أن الذين ألقى القبض عليهم فى الآونة الأخيرة نالوا الكثير من الأموال والسطة، الأمر الذى جعلهم يعتقدون أن الدنيا كلها على أطراف أصابعهم، وأنهم قادرون على ارتكاب ما يحلو لهم من جرائم دون محاسبة أو رقيب.
لا ريب فى أن منظومة الفساد فى مصر استقرت واستوت بامتداد أربعة عقود، وأن نظام مبارك رسخ الفساد بوصفه عملا مشروعًا يقدم عليه كل صاحب سلطة معدوم الضمير وهو رابط الجأش مطمئن الفؤاد، ما يجعل مهمة الرئيس الجديد لمصر بالغة الصعوبة، بعد أن أصبح الفساد حشرة حقيرة تتسكع فى أوردة المؤسسات المختلفة.
لا أعرف ما الذى يجب عمله لنمحق هذه الحشرة، لكنى موقن تمامًا أن القانون الرادع هو الفيصل، وأن تطبيقه بحزم يؤتى أكله سريعًا، لكن المشكلة – فى اعتقادى – تكمن فى نقطة البداية، أو بصياغة أخرى.. ما المؤسسات التى ينبغى محاربة الفساد فيها فورًا وسريعًا، حتى نحقق نجاحًا ملحوظا يسمح لنا بمواصلة الحرب على هذه المصيبة التى زرعها حكامنا الأنذال فى أرضنا الطيبة؟
إذا شئت الرأى السديد، فأغلب الظن أن نقطة البداية تبدأ من أعلى الهرم فى السلطة.. من الرئيس الجديد ووزرائه وقيادات حكومته، فأولئك وهؤلاء يتحتم ألا تخدش سيرتهم الوظيفية أية شائبة، حتى لا يتكئ عليها ذوو النفوس المعطوبة، وبالتالى أطالب أن يقدم الفائز بمنصب رئيس الجمهورية إقرارًا بذمته المالية يشرح فيه بالتفصيل كل ما يملك هو وأسرته، والأمر نفسه يجب أن يطول رئيس الوزراء ورجاله، كما يجب أن يقدم كل مسؤول كبير كشف حساب بما يملك فور خروجه من منصبه حتى يعرف الناس أن مصر ليست (وكالة من غير بواب)، وأن خيراتها يجب أن توزع بالعدل على جميع أبنائها!
