لو سمح لى المشير عبدالفتاح السيسى بإجراء حوار ثقافى معه سأكون له من الشاكرين، ذلك أن إحدى أكبر أزمات مصر تتجلى فى الثقافة، ومادام الرجل قد استقال أمس الأول الأربعاء 26 مارس 2014 من القوات المسلحة، وأعلن قراره بخوض انتخابات الرئاسة، فأظن أن التعرف على ثقافة الرجل وبرنامجه لتجاوز المحن الاجتماعية وعبور المشكلات الثقافية بات أمرًا ملحًا وضروريًا.
فى أحد لقاءاته التليفزيونية قال الأستاذ هيكل، إن السيسى رجل يقرأ، وأنه قد اطلع على كتب الأستاذ، وهذه مسألة بالغة الأهمية، فلا يعقل أن يحكم مصر رئيس يخاصم القراءة، ويعادى المعرفة، ويسخر من المثقفين كما كان يفعل مبارك، لذا لا عجب ولا غرابة فى أن نسعى للتعرف على أفكار السيسى وخططه بخصوص الثقافة، بالضبط كما نريد أن نعرف تصوره بشأن العدالة الاجتماعية، والحريات، والبحث العلمى إلى آخره.. إلى آخره.
أعتقد أنك تتفق معى على أن حشرة الأفكار المتشددة التى ابتليت بها مصر، ما كان لها أن تتضخم وتلدغ وتسمم عقول الناس، لو كان الاهتمام بالثقافة الجادة ضمن أولويات الأنظمة التى حكمتنا أربعين سنة على الأقل، وأغلب الظن أن أصحاب الآراء البائسة الذين يحرّمون ويهددون ويقتلون مخالفيهم فى الرأى.. ما كانوا سينتشرون بهذه الكثافة لو كان الذين يحكموننا يعدلون بين الناس، ويسمحون للفكر المستنير بالتواجد والحضور والتشجيع.
كيف سيواجه المشير السيسى قضية الأمية على سبيل المثال؟ هل يشرّف أى رئيس مصرى أن يحكم شعبًا يتمرغ ربع سكانه فى وحل الأمية الأبجدية؟ «هناك إحصائيات تؤكد أن عدد الذين يجهلون القراءة والكتابة بلغ 26 مليون إنسان».
ماذا ينوى أن يفعل بالضبط المشير السيسى لمواجهة الأفكار المتطرفة والعقول المتحجرة؟ وكيف يحمى الفتيان والفتيات من الانزلاق فى مستنقع تلك الأفكار؟ وما هى الخطط التى يضعها لاستعادة الروح المصرية السمحة التى تستقبل كل الآراء بصدر رحب، فلا غلو ولا إسراف، وما الوقت اللازم لتنفيذ تلك الخطط؟
والصعيد.. وما أدراك ما الصعيد؟! هذه البقعة الطيبة من أرض مصر التى أهملها مبارك ونظامه، فعاث فيها الإرهابيون فسادًا، وتُرك أهلها أسرى الفقر والجهل والتخلف، ترى.. كيف سينهض السيسى بهذه المنطقة العزيزة على نفس كل مصرى؟ وكيف سيستطيع محق التصورات الجهولة عن العالم التى نبتت وازدهرت فى عقول الشباب بامتداد أربعة عقود؟
إن نجاح أى رئيس فى مهمته يتبدى فى انحيازه الصريح للثقافة، لأنها بمثابة العمود الفقرى الذى يحمى عقل الأمة وروحها من التدهور والانهيار، وكلى أمل أن يحقق المشير السيسى - فى حال فوزه بالمنصب الأرفع - أحلام المصريين فى بناء مجتمع عادل، تؤسس فيه الدولة حياة ثقافية ثرية وترعى الموهوبين، حتى تصبح الحياة فى مصر نعمة ومتعة، لا نقمة وعقوبة!