فى معركة السياسة وصراعاتها هناك دائما المحترفون والهواة والمتفرجون. المحترفون هم من يواصلون البقاء فى عالم السياسة بكل تفاصيلها، وهؤلاء يعلمون أن عالم السياسة ليس نزهة ولا فسحة، لكنها مستنقع.. على من يفكر فى الخوض به أن يعرف أنه سوف يشم ويحس ويتلقى الكثير من الروائح، ويدوس على أجسام صلبة، وربما يتعرض لهجوم من وحش غامض أو شارد. والمحترف يأخذ حيطته وحذره، يتعامل بواقعية، ويستهدف مصالحه التى يعرفها ويتحرك إليها. يعرفون أن السياسة صراع وأماكن محددة، وكراس موسيقية، على الواحد أن يأخذ كرسيه قبل أن يذهب عنه. والمحترفون يترشحون وينافسون، أو ينضم بعضهم للحملات، أو ينافقون ويؤيدون ويصفقون، بحثاً عن مكاسب ما فى عالم السياسة. منهم من يربح ومنهم من يخسر، ومن ينكسر ومن يطفو. لأنهم يتعاملون فى عالم من الربح والخسارة.
أما الهواة فى عالم السياسة، فهم غالباً يأخذونها كلاما، وأغلبهم بلا حسابات ولا مصالح، يقولون الحقيقة، ويعترضون ويتعاركون ويختلفون دائما مع غيرهم وبعضهم، وهؤلاء هم من دخلوا السياسة من باب المعارضة أو البقاء فى حالة المراقبة والتعليق، وهؤلاء لايحبون أن يلوثوا أيديهم بالسياسة، لايحبون الانتخابات، ولا يترشحون، ولا يحبون المرشحين.
وهؤلاء غالباً يبقون خارج الحلبة، ويبحث كل منهم عن طريقة لإبداء رأيه والبرهنة على أنه كان دائماً بعيد النظر. والهواة يتنقلون بين مواقف وأخرى، ومنهم من يتطور ليصبح محترفاً، أو يظل فى عالم الغضب والتعليق، وربما يشعر بالقنوط فينضم للمتفرجين.
من الهواة من يريد السياسة عالماً مثالياً من الملائكة، سياسيون لايكذبون، ولا يتآمرون ولا يناورون، وأغلب هؤلاء هم عالم فيس بوك وتويتر والفضائيات، ممن يتحدثون كثيراً.
أما المتفرجون فهم يتابعون كل ذلك، ويرون السياسة من مكان أقرب للبلكونة، بعضهم ينضم للمحترفين أو الهواة، ويتنقل بينهما، ويبقى طوال الوقت حائراً، يصفق أو يصفر، ولا يغادر عالم الفرجة، ومنهم من يصنف كحزب كنبة، ومنهم من يصنف كجمهور أو يفضل موقع الجمهور. والهواة ينتشرون فى فيس بوك وتويتر والفضائيات، ومعهم القطاع الأوسع من المتفرجين ممن لا يمكنهم الانتقال إلى حالة الاحتراف أو الهواية، ويكتفون بمواقف الجمهور.
وهؤلاء كانوا موجودين قبل ثورة يناير، وتضاعفوا بعدها، وبعد يونيو، وتبادل بعضهم المواقع، وغالباً ما ينتقل الهواة إلى خانة المحترفين، فتتغير نظرتهم وتختلف مصالحهم، أو من يغادرون الفرجة إلى الهواية ثم الاحتراف، وكل هذا يتعلق بالمصالح والأرباح التى يبحث عنها المحترفون، فهى وحدها التى تحدد المواقف والمكان الذى يقف فيه كل فريق.
كل هؤلاء موجودون الآن، على أبواب انتخابات رئاسية، يتعامل فيها كل فريق حسب مكانه الذى يقف فيه، ومصالحه التى تتحكم فيه، وفى السياسة كلها.