قال سيدى الزاهد سمنون رضى الله عنه «أول وصل العبد هجرانه لنفسه» إن النفس لا تنظر إلا إلى ذاتها تشتهى كل شىء سواء كان حسنا أو كان سيئا لا تهمها سوى متعتها ولذتها تمجد أفعالها وأقوالها وأحلامها تتغذى على الكبر والتعالى على الغير وذمهم وإظهار نواقصهم ونقاط ضعفهم مع تزكية ذاتها هذا بالرغم من الله سبحانه وتعالى قال «ولا تزكوا أنفسكم» لأن الله يعلم حقيقة كل نفس ومدى صلاحها أو فسادها ومدى قربها أو بعدها عن الحق. كما أن التزكية للنفس هو فعل مذموم فيه كبر وتكبر والله سبحانه وتعالى قد حرم الجنة على من فى قلبه ذرة من الكبر وفى المقابل التواضع صفة محبوبة «ومن تواضع لله رفعه» أى قربه ورفع من شأنه قال تعالى «ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلا» ولذلك فقد قال سيدى سمنون إن الوصل مع الله هو أن تتنازل عن النفس الأمارة بالسوء والكبر وتمجيد الذات حتى تصل فى أحيان كثيرة إلى تأليه كل فعل تفعله مثلما فعل الملعون إبليس عليه اللعنة عندما أمر بالسجود لآدم فأبى واستكبر فأصبح من الضالين.
ولذلك أجمع الصوفية وأهل التقوى والصلاح على حتمية مخالفة النفس والهوى والشيطان عدو الإنسان إذا أراد العبد أن يسلك طريق الصلاح والتقرب من رب العباد. ومن العجب والزهو تتولد أمراض قلبية خطيرة مثل الحسد واشتهاء زوال النعم من الآخرين الذين فيهم بعض الصفات الحسنة ويحبهم الناس، ومن مهالك تزكية النفس هو نظر العبد إلى الدنيا وعدم الالتفات إلى الآخرة. فمن انتصر على نفسه ونزعاتها فقد انتصرعلى أهم حليف للشيطان عدو الإنسان لأن النفس الممجدة لذاتها تعد مطية للشيطان الملعون هذا إن لم يتجه الإنسان إلى رب الوجود بالعبادة وبالحب فيساعده لينتصر على هذه النفس الأمارة بالسوء.