شعر كثيرون فجأة بافتقاد عبدالحليم حافظ، بعد سنوات من النشاز وغياب المطرب الذى يدفع الناس إلى الغناء معا، فى ذكراه هذه الأيام أطل مرة أخرى وكأنه بيننا، وربما لأن الغناء الذى يعبر عن أيامنا فشل فى تلبية احتياجات الناس، لم ننجح فى السنوات الفائتة فى الغناء معا، لم نسمع إلا فيما ندر شيئا يؤكد على تماسكنا فى مواجهة الكوابيس التى تحاصرنا فى الداخل والخارج، صوت حليم كان عنوانا لحلم الاستقلال الوطنى الذى ننشده الآن، كان عنوانا للشباب الذى قاد الشعب بعد ثورة يوليو.
كان مع جيله يفتش فى حدائق الأمل عن السعادة التى نبحث عنها الآن، صنع مع الموجى والطويل وبليغ ومنير مراد ومرسى جميل عزيز وصلاح جاهين والأبنودى وغيرهم جدارية شجية تليق بمصر المبدعة الحديثة التى تتطلع إلى الخضرة والبناء والإبداع، كان صوته قريبا من القلب، يحرض الهواة على الغناء، صوت آسر مؤثر دافئ حالم رقيق قوى صادر عن ألحان متطورة كما قال نجيب محفوظ، أحد المحترفين القلائل، يشرف بنفسه على استخراج المادة الخام وعلى مراحل التنقية والتصنيع والتجديد واختيار الألون كما قال الأبنودى، كان موجودا فى ثورة يناير، ليؤكد على حاجة المصريين إلى الفرح، الحفاوة به هذا العام يجب أن يضعها شباب المغنين فى الحسبان، ويتخلصوا من حساباتهم المرتبطة بحسابات التجار فى الفضائيات، توجد أصوات رائعة لا شك، ولكن توجد ندرة فى الملحنين، ولا توجد دولة معنية بالأمر، ولو اهتمت تركت شؤون الغناء فى أيدى موظفين تم ترقيتهم لأنهم يفتقدون إلى الذوق الرفيع.