حسب علمى.. لم نشهد قبل ذلك هذا الحجم المخيف من البذاءة فى بلدنا، فالشاهد أن غالبية سكان مصر المحروسة قد غرقوا فى مستنقع البذاءة اللفظية والسلوكية بشكل لم يحدث من قبل.
طالع الصحف والمواقع الإلكترونية، أو شاهد القنوات الفضائية والأرضية، أو سِرْ فى الشارع، أو اجلس فى المقهى، ستخدش عينيك وتصفع أذنيك كلمات بالغة البذاءة، ومفردات منتقاة من أكثر القواميس فُحشا وابتذالا.
المثير أن رذاذ البذاءة اللفظية طال البنات والنساء، وأصبحت الفتاة لا تتعثر فى حيائها وهى تسب فلانا، أو تصف علانة بالمقزز من الكلمات، وأذكر أننى شاهدت فتاة فى ميدان التحرير - فى الذكرى الثانية لثورة يناير - ترفع لافتة كتبت عليها عبارة تقطر فحشا وبذاءة فى وصف جماعة الإخوان!
لا ريب عندى فى أن هذه البذاءة اللفظية التى فاحت رائحتها النتنة فى سماء مصر، تعود إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن المصريين كابدوا شقاءً متصلا وظلمًا مستمرًا بامتداد أربعين سنة كبيسة، فلما طردنا مبارك من القصر انهمرت المشاعر الطيبة أملا فى غد أفضل، فلما خذل المجلس العسكرى ثم الإخوان أحلام الناس وطموحاتهم، انفجر بركان الشتائم من أفواه المصريين، فالكل يشتم الكل، والجميع يسب الجميع فى حفلة يومية تعزف فيها موسيقى البذاءة أردأ الألحان وأكثرها نفورًا!
لعلك تعلم أن مستودع البذاءة يستقر فى طبقتين: طبقة السادة والأثرياء وأصحاب المال والسلطة والنفوذ، أى أن البذاءة هنا مستمدة من القوة والبطش والغطرسة والجبروت، أما الفقراء والمطحونون والبسطاء فاعتصموا بالبذاءة، ليطلقوا ما فى صدورهم من غيظ وسخط وحنق وغضب، لأنهم لا يجدون إجابات مطمئنة عن الأسئلة التى تؤرقهم، وأهمها: إلى متى سنظل عبيدًا فى مجتمع يتحكم فيه حفنة من السادة؟
لا شك فى أن اللجوء للبذىء من الألفاظ عند الاختلاف أو المشادة أمر يفضح جهل الشتام وقلة حيلته، ويؤكد فى الوقت نفسه أن المصريين صاروا ضيقى الصدر، لا يطيقون خلافا، ولا يصبرون على رأى مغاير.