فى الوقت الذى يقول فيه السفير الليبى فى مصر محمد فائز جبريل، إن رجال القذافى هم الذين يقتلون المسيحيين المصريين فى ليبيا، كان وزير الثقافة والإسكان والإعلام الليبى يتحدث صراحة عن أن الجماعات التكفيرية فى مدينتى غزة ودرنة هى المسؤولة عن هذه الاغتيالات المتكررة، وقال إن الجميع يعلم بوجودهم، ويعرف أسماءهم وحتى أوكارهم، لكن لا يستطيع أحد مواجهتهم أو مجابهتهم، وأشار إلى أن أعضاء «المؤتمر» متهمون بالالتفاف السياسى والمماحكات الحزبية للهروب من الاعتراف بالواقع والحقائق، وقال وزير الثقافة إن هناك أطرافا سياسية داخل «المؤتمر»، تقوم بدعم هذه الجماعات، والتستر عليها، وتوفر جميع الإمكانيات لها.
هذا الوضوح والقطع فى كلام وزير الثقافة، يختلف جذريا عما تحدث به السفير الليبى، الذى يذكر كلامه سيرا على مبدأ «الطرف الثالث» الذى عرفته مصر بعد ثورة 25 يناير فى أكثر من قضية، وكان الكل يتبارى فى اختراع طرف يحمله المسؤولية، وفى النهاية لم يتم التوصل فيها إلى مرتكبى الجرائم التى حدثت، وقياسا على ذلك، ستظل دماء المصريين التى تهدر فى ليبيا بلا ثمن، وستبقى يد الغدر التى تستهدف المسيحيين المصريين هناك حرة طليقة.
فبعد أيام قليلة من جريمة مقتل سبعة مصريين مسيحيين، وقعت جريمة أخرى فى بنغازى، وهى إطلاق الرصاص على «سلامة فوزى طوبيا» داخل محل خضروات يمتلكه، وتم نقله إلى المستشفى، وحتى صباح أمس كان مصيره غامضا، وكان الكلام عن وجود مسيحيين آخرين فى المستشفيات لا يعرفهم أحد، وإذا كان هذا صحيحا، سنكون أمام مذبحة حقيقية على الهوية، واستهتار بالغ بمصر دولة وشعبا.
وبالرغم من الاستغاثات التى يوجهها أهالى الضحايا للحكومة، إلا أن الجرائم تتواصل، وإذا كانت ليبيا لم تعد دولة بالمعنى المعروف، وإنما أصبحت تجمعات خاضعة لميليشيات إرهابية مسلحة، فليس من المفهوم أن نرى رد الفعل المصرى غير مؤثر إلى هذا الحد، خاصة وأن تكرار الجرائم يعنى استخفافا بقيمة مصر، واستهتارا بهيبتها، وتصديرا لمعنى عدم احترامها.
فى تشخيص الأوضاع، وبعيدا عن كلام السفير الليبى، وكلام وزير الثقافة، تلقى هذه القضية بنتائجها الكارثية على أوضاعنا الداخلية، فتكرارها يعنى تأكيد ما يبتغيه المجرمون سياسيا، بأن المسيحيين هم المستهدفون دون غيرهم، وضعف رد الفعل من المسؤولين فى مصر، يدفع المسيحيين إلى التحصن أكثر بالكنيسة والاحتماء بها، مما يعنى عدم الثقة فى مؤسسات الدولة، التى لم ترق إلى مستوى الحدث، وعدم الثقة فى وسائل الإعلام وفى مقدمتها الفضائيات التى تتعامل مع حدث مثل مقتل السبعة، بوصفه حدثا من المرتبة الدنيا، وبقدر ما يكون هناك عذر للكنيسة فى ذلك، فإنه يكرس الإبقاء على الصيغة الطائفية التى عانت منها مصر طوال السنوات الماضية، ومازالت تعانى منه حتى الآن.
تتسع القضية للقول بأن سوء الأوضاع الداخلية فى مصر، هو الذى يدفع المصريين البسطاء للغربة بحثا عن لقمة عيش، بعد أن ضاقت بهم بلادهم، وأن الفقراء وحدهم هم الذين يدفعون الثمن القاسى، لكن حين تتراخى أجهزة الدولة عن حماية أبنائها فى الخارج فتلك جريمة، وحين تكون الجريمة بهذا اللون الطائفى فإننا نكون أمام كارثة.