الانشغال بالشكل ثقافة طاغية فى مصر تشغلنا عن أولوياتنا الأخرى فأحيانا تتصدر المشهد لتصبح الأهم وقبل كل شىء، وكلما ترسخت هذه الثقافة كلما ضاقت المساحة التى يسمح فيها بقبول الآخر وبالاختلاف عن الآخر، ومن ليس شبهى فهو عدوى كل شىء فى لمجتمع المصرى يتحدث عن نفسه ويعلن أننا فى أعلى تجليات الانشغال بالمظاهر وثقافة الشكل والاستغراق فيها على حساب المضمون. الهند بسكانها المتجاوز المليار نسمة يتحدثون حوالى 400 لغة وبها أكثر من 180 ديانة ولكن لا تشغلهم ثقافة المظهر، وبالتالى فهم قادرون على الحياة والتفاهم والتقدم ويحرزون كل يوم هدفا جديدا فى دورى الحياة، وفى مصر تقول الأرقام أن %90 محجبات وأن مصر لديها أكبر عدد من الحجاج والمعتمرين سنويا ولديها أيضا أكبر كم من الجرائم ومن الفساد ومن تردى الأخلاق. مصر فى عهد ما قبل غزو ثقافة الشكل، للمجتمع وسيادة التدين الشكلى والحكم على الباطن بالمظاهر كان المجتمع أكثر رقيا ولم يكن ارتداء الميكرو والمينى جيب كارثة بل كان المجتمع أكثر حفاظا على الحقوق. لقد كانت لمصر ولعلماء الإسلام انتصارات تاريخية فى المعركة الحضارية ولكننا أصبحنا مهزومين بفضل التخلف والجهل والتدين الشكلى والاتجار بالدين الذى يستخدم للهيمنة ولاعتلاء المناصب والحصول على الجاه والسلطان فى الدنيا. الانشغال بالمظهر معاكس لعمق الدين، فأروع الزهد إخفاؤه وليس إعلانه والمتاجرة به.
المجتعمات التى تتقدم لا تنشغل بالمظاهر والتوافه وتغربل ميراثها وتراثها لتحتفظ بالإيجابى منه وتتخلص من السيئ والسلبى أما نحن نصر على الاحتفاظ بالطالح وليس الصالح التعصب والانغلاق وعدم تحمل المسؤولية والإهمال والكذب واحتقار قيمة العمل والالتفاف حول القانون والتعلق بالخرافات والأوهام والانشغال بمظاهر رسخناها باعتبارها الدين، كلها آفات ونواقص تجعل المجتمع فى حالة تيبس وعقم. لابد من البحث عن نقاط الضوء الكثيرة جدا فى الحضارة المصرية والإسلامية ولا نتمسك بالقشور والظواهر ونبعد أحيانا عن الجوهر والمعنى، والاعتياد على إصدار أحكام أخلاقية بالمنظر، كفانا استسلاما للغزو الثقافى البدائى والغربى الاستهلاكى كفانا فكر مشوش وجهل قائم، فى مصر الآن إما أن «يشتغلك» الآخرون بالسخرية أو يشغلك الجميع بالمظهر وكلام الناس.