الكلام ليس عليه جمرك ولا ضرائب، ونحن الآن فى مرحلة الكلام، الكل يتحدث ويدلى بدلوه، ولا يشك لحظة أن كلامه يمكن أن يكون فيه نسبة من الخطأ، وخلال ثلاث سنوات سمعنا وقرأنا ورأينا خبراء من كل لون يشخصون مشكلات مصر من كل الزوايا، ويقدمون الحلول بلا أى جهد، ويندهش الواحد الجالس متفرجا كيف لا يستعينون بهؤلاء الخبراء ليحلوا مشاكلنا ويجعلونا نعيش فى تبات ونبات؟ ولحسن الحظ، أو سوئه، فإن بعض هؤلاء الخبراء تم اختيارهم فى مناصب تنفيذية وزراء، لكنهم ما إن دخلوا الوزارة حتى فقدوا بريقهم وأصبحوا يتحدثون مثل كل المسؤولين العاديين.
وحتى الآن لم يصل العلم الحديث للسبب الذى يغير من شكل وأداء المواطن عندما يصبح مسؤولا، وكيف يمكن معالجة هذا الأمر، يضاف لذلك أن الوزير أو المسؤول فى منصبه يصاب بالحالة البيروقراطية، وما إن يغادر منصبه حتى يعود سيرته الأولى متكلما وناقدا وخبيرا.
السر غالبًا فى السياسة، لأن المواطن العادى الخبير التليفزيونى غالبا ما تكون غدة الكلام عنده نشطة، بينما تتعطل نفس الغدة عندما يدخل للمنصب، وتعود لنشاطها بعد أن يغادر المنصب.
وما مناسبة هذا الكلام؟.. إنها مناسبة الحكومة الجديدة، الرجل بدأ عمله بجولات ميدانية ومواجهات مع مناطق الاحتقان والغضب، ووراءه تحرك الوزراء لينزلوا للشوارع، ولا نعرف إلى أى مدى سوف يستمر نشاط الحكومة، ومدى قدرتها على اقتحام المشاكل المزمنة والحادة، وهل يواصل وزراء محلب نشاطهم أم يعودون إلى قواعدهم صامتين، خاصة أن بعضهم كان غائبا كسولا فاشلا، لكنهم خرجوا من شرانقهم فى جولات وتصريحات.
ربما كان العيب فى رئيس الوزراء، وأن وجود رئيس حكومة نشيط ينشط غدد الوزراء، وقد عرفت مصر وزراء ورؤساء وزراء ناجحين، ربما لأن النشاط عدوى، وأن يكون هناك مشروع يجمع الناس وصراحة ووضوح، وفى موضوع النظر إلى أداء حكومة محلب هناك من يراهن على الصفات الشخصية لرئيس الحكومة وأنه رجل يريد النجاح، بينما هناك من يطالب بالمزيد ويطلب الانتظار لحين تبين مدى الجدية، وأن نمنحه فرصة للتنفيذ.
وبجانب هؤلاء المشجعين والمنتظرين، يقف أو يجلس الخبراء الذين كانوا سابقين أو متكلمين دائمين، يمارسون نفس الطريقة المعهودة، وينشرون الشماسى بعد توقف المطر.
لقد أعطينا كل حكومة فرصة، فلنعط الحكومة فرصة، قبل أن نمارس الالتهاب السياسى، ربما يكون كلام وفعل، وفى كل الأحوال الحساب يجمع.