مصر مصنع إنتاج الثقافة، منذ العصور التاريخية، ورائدة تصدير منتجاتها من الأدب والفنون بتنوعاتها المختلفة، من الرسم والنقش والنحت، والموسيقى والغناء، إلى كل قارات الدنيا القديمة، فكانت لها إسهامات كبرى فى حركة التنوير والإبداع والفكر، فى معظم دول العالم.
وكانت الموسيقى الفرعونية، لها وظيفة حياتية وقيمة دينية، وحاضرة بشكل طاغ ضمن طقوس العبادة فى بيوت الآلهة، وخير دليل ما سطره الفيلسوف العبقرى «أفلاطون» منذ ما يقرب من 2400 سنة، عن وصف الموسيقى المصرية بأنها أرقى موسيقى فى العالم، واختارها لتكون «لحن» مدينته الفاضلة.
ومن ثم فإن رأس مال مصر الحقيقى هو الثقافة، بتنويعاتها المختلفة، حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، ثم بدأ الانهيار يتسلل إليها مثلها مثل جميع القطاعات، وانتقلت مصر من عصر القامات الكبرى من المثقفين مثل نجيب محفوظ والعقاد وطه حسين وأم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش، إلى عصر الانحطاط، التى أفرزت المطربين اورتيجا وسعد الصغير، والراقصة سما المصرى، وبعد ثورة 25 يناير، برزت مواصفات للمثقف المصرى تختلف كليا عن المعتاد طوال قرون طويلة، ومن بينها أن يرتدى «كوفيه» شكلها عجيب، وأن يُطيل شعره، حتى يستطيع أن يصنع منه ضفيرة، ثم يتحدث بلغة مكعبرة، من عينة الأدلجة والدمقرطة، والثورجة، ثم يكتب شعرا عاميا ماجنا، ويحضر ندوات نادى القصة، ويرتاد «الاتيلية» الكائن بشارع طلعت حرب ليحتسى الشاى والنسكافيه، ويشرب «البيرة» فى البارات خاصة «الجريون»، ويدخن الشيشة فى مقاهى البورصة، والتكعيبة، ويرتاد مقهى «ريش»، حاملا شنطة على ظهره، وفى يده مجلتى فصول، والثقافة الجديدة.
ثم يبدأ فى الترويج للحريات الدينية والجنسية، والتمرد على المنظومة الأخلاقية، ويعتبرها قيودا وأغلالا تدمى معصمه، ثم يحاول بشتى الوسائل والطرق، الحصول على عضوية اتحاد الكتاب، ليكتب مقالات تهاجم عددا من الكتاب والمثقفين، واتهامهم بأنهم يأتمرون بأمر السلطة، ثم يُذيلون نهاية مقالهم بلقب «عضو اتحاد كتاب مصر»، إمعانا فى إقناع القراء بأنه أديب ومثقف.