إذا كانت الإضرابات العمالية والفئوية السبب فى استقالة أو إقالة الدكتور حازم الببلاوى، فإن لسان حاله قد يلعن رمسيس الثالث باعتباره أول من عرف الإضرابات العمالية فى العالم، فلم تظهر الإضرابات إبان الثورة الصناعية ومعاناة عمال المصانع والمناجم كما يعتقد البعض، حيث تقول الموسوعة الحرة، إن أول إضراب فى التاريخ كان فى عهد الفراعنة فى دير المدينة سنة 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث أشهر حاكم فى الأسرة العشرين، وأن أول مرة استخدمت فيها كلمة إضراب فى اللغة الإنجليزية كان عام 1768، عندما عمل بحارة فى لندن على شل حركة السفن فى الميناء، وكان الدستور المكسيكى أول دستور فى العالم يضمن الحق القانونى فى الإضراب وذلك عام 1917.
وبما أن مصر كانت سباقة فى صناعة الإضرابات على مستوى البشرية فلم يعد فيها الإضراب هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة وجماعية والضغط على رب العمل، سواء كانت شركات خاصة أو جهات حكومية، ولكن أصبح الإضراب فى مصر له تعريف خاص لا نظير له فى القواميس اللغوية والنظريات الاقتصادية نتيجة الممارسات الحكومية العقيمة وغياب العدالة الاجتماعية، فالطبيب فى مصر ينظم إضرابا فى المستشفى الحكومى الذى يعالج فيه الغلابة والفقراء بالمجان ويذهب لفتح عيادته الخاصة أمام الأثرياء، أما الصيدلى فأغلق صيدلية المستشفى الحكومى ورفض أن يغلق بقالته، عفوا، صيدليته الخاصة عشرة دقائق حتى لا يخسر مليماً من أرباحه اليومية، كذلك المدرس الذى أضرب عن القيام بواجباته ودوره التربوى والتعليمى فى المدرسة وجعل من بيته مدرسة خاصة يجنى منها الملايين فى ظل غياب الضمير وعدم تفعيل القوانين، ازدواجية ومزاجية لا نظير لها فى العالم سوى فى مصر صنعتها الحكومات والأنظمة البائدة على مدار السنوات الماضية وأصبح الكل يمارسها، والمجتمع يكتوى بنارها فى ظل عدم تنفيذ القوانين وضيق أفق المسئولين، فأصبح الموظفين يطالبون بالحصول على أعلى الرواتب بالرغم من عدم القيام بواجباتهم الوظيفية والمساس بكنز على بابا الذى يدر عليهم الملايين من العيادات والصيدليات والدوروس الخاصة وغيرها من الأعمال والسبوبات التى تمارس على حساب الوظيفة الحكومية.
إذا كانت المهن الأكثر ثقافة وتعليما ووعيا لم تستحِ من هذا الإضراب المزاجى ذات الأصل الفرعونى، فكان من الطبيعى أن نجد السائقين يسيرون فى نفس الدرب فيتركون حافلات نقل الفقراء إلى العمل على التاكسى الخاص من أجل مزيد من المال، إلا من رحم ربى.
هذه الإضرابات الفئوية ذات الطبيعة المزاجية التى طالت كل المهن ليست وليدة اللحظة، بل ذات بعد تاريخى كبير فى مصر فلم نستوردها من الدول المتقدمة، وإنما كانت مصر أول من عرف الإضراب وأول صدرته إلى العالم وأول من وظفت المواطنين فى وظائف غير حقيقة دون عمل أو إنتاج أو تكليف بأى مهام، حتى وصل الأمر أن بعض الموظفين فى الكثير من المؤسسات مثل المحليات لا يجدون كرسيا للجلوس عليه، ثم تدعى الحكومات أنها حققت تقدم وانجاز دون أن تدرك أنها تمارس الخراب والدمار وقتل الطاقات البشرية فى وظائف وهمية واستنزاف للأموال بدلا من استغلالها فى مشاريع فعلية تحقق للوطن والمواطنين الرفاهية الحقيقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة