الغلاء معركة المواطن المصرى الدائمة والمستمرة، والموعود بها، والهزيمة قدره الذى لا يتغير. وبينما تواصل نيران الأسعار ارتفاعها، يقف المواطن لا حول له ولا قوة، وسط اتهامات متبادلة ومستمرة بين مبررات الحكومة، وجشع التجار.. بين ضعف الرقابة، وعدم القدرة على التحكم فى الأسواق. وتأتى الأزمات وتتوه الأسباب، وتغيب الحلول، وتبقى الأزمة.. البعض وجد فى التسعيرة الاسترشادية حلًا، لكن ظهرت الفكرة، وجاء معها الجدل الرهيب، ثم غابت كما ظهرت بلا حلول أخرى، وتبقى الأسئلة بلا أجوبة: هل تمتلك الحكومة رؤية فى رسم السياسات السعرية؟ هل لدى الحكومة تصور عن الإجراءات التى ينبغى أن تكون؟ وهل هناك دور للأجهزة الرقابية؟
إذا كنا أمام واقع يؤكد أننا نعانى من معدلات التضخم المتزايدة، ومشكلات فى الأمن، أثرت على حركة النقل، وغلاء مصاريف خدمة المحاصيل.. كل ذلك له قدر من الحقيقة، ولكن هل يعنى ذلك أن تقف الدولة عاجزة أمام ارتفاع الأسعار وتدنى أجور الموظفين؟!.. ارتفاع الأسعار لا يوازى مقدار وحجم تلك الأسباب، بل يؤكد أننا نعيش عشوائية منظومة التجارة الداخلية، وأن الدولة غير قادرة على كسر احتكار أسر وعائلات تجارات معينة، وغير قادرة على رقابة الأسواق وضبطها، فهى تضع الأسعار ولا يلتزم بها أحد. عندما تكون معدلات الزيادة فى الأسعار %500، ومعدلات ارتفاع الأجور لم تزد على %100، فهذا يعنى أننا نضحى بالمواطن المصرى، وليست لدينا رغبة فى توفير الحدود الدنيا للحياة الكريمة. أحد المسؤولين الحكوميين أكد أن الحل الوحيد لإنقاذ المواطن المصرى من الغلاء هو الامتناع عن الشراء، لأن تلاعب التجار لم يعد قابلًا للسيطرة عليه، بينما التجار يلعبون على غياب ثقافة الشراء لدى المستهلك المصرى، وهى نقطة مهمة لأن هذه الثقافة غائبة عند من يملك قوة شرائية كبرى، ومن لا يملك سوى الحد الأدنى، فمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة، أكدت أن المنطقة العربية تعانى من إهدار المواد الغذائية بكميات كبيرة، وحددت المنظمة بعض السلوكيات الخاطئة، مثل شراهة التسوق، وتناول الأطعمة بشكل مبالغ فيه خارج المنزل، لاسيما فى المناسبات الدينية والاجتماعية. تعددت الأسباب وبقيت العشوائية تلعب دور البطولة فى التعامل مع القضية الأهم فى حياة الناس، فليس مهمًا بالنسبة للمواطن من يتحكم فى الأسعار ومن لا يتحكم.. من يتحمل المسؤولية، ومن يبرر الكارثة، لكن الأهم أن يرى حلولًا تنفيذية لقوانين ليست بها ثغرات، وبرقابة لا يحكمها إلا الضمير، ولا تعرف المحسوبية أو التساهل، إنما تعرف أن القانون وجد ليكون سيدًا على الجميع.