د. محمد على يوسف

جناح الفراشة

الجمعة، 11 أبريل 2014 07:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن "جافريلو برينسيب" الشاب الصربى اليافع يعلم أن رصاصته التى اخترقت صدر الأرشيدوق فرانز فرديناند ستغير شكل الحياة على الأرض وستكون الشرارة التى يُقتل على إثرها ما يزيد عن عشرة ملايين من البشر، ومهما كانت الأسباب التى دفعته لهذا الفعل وجعلته يطلق النار على ولى عهد النمسا أثناء زيارته لسراييفو فإنه قطعا لم يكن يخطط لأن تقوم بسبب رصاصته واحدة من أكبر الحروب التى شهدتها الدنيا وتغيرت جغرافيا الدول والإمبراطوريات على إثرها، تلك الحرب التى دامت لسنوات وشهدت بعض أبشع المجازر الجماعية التى عرفتها البشرية والتى كانت شرارتها الأولى تلك الأزمة بين مملكة النمسا ومملكة صربيا.. الحرب العالمية الأولى.

يشبه ذلك ما وقع قبل تلك الأحداث بمئات الأعوام فى جزيرة العرب حينما قررت تلك الناقة الحمقاء أن تحل وثاقها وتلحق بحمى رجل من سادات العرب يقال له كُليب فما كان منه إلا أن "صغر مخه" وعمل عقله بعقل الناقة ورماها بسهم فنفرت والدم يثعب من جرحها حتى سقطت بين يدى صاحبها.. إزاى وإزاى كليب يقتل ناقتنا العزيزة، صاح صاحب الناقة وهو ينظر إليها متحسرا: ياللذل، وصاحب الناقة كان له ظهر وعزوة فجارته هى البسوس بنت منقذ التميمية التى غضبت لغضبه واستغاثت بأخيها جساس بن مرة، وجساس تهور وقتل كليب طعنا بالرمح. طبعا أخو كليب لم يسكت وعشيرته قررت تنتقم ولم تفلح أى محاولات للإصلاح ثم كانت الحرب.. حربا دامت على قول جمهور المؤرخين لما يقارب الأربعين سنة قتل فيها من القبيلتين خيرة شبابهما ورجالهما وخسر الجميع حتى كان الصلح وكل ده بسبب إيه يا مؤمن؟! ناقة! ناقة شردت فسالت لأجلها الدماء لعشرات السنين، تصور كدة لو إن الناقة كانت مربوطة كويس أو كان صاحبها مشبعها بدل ما يسيبها ترمرم فى أرض الجيران.

بلاش دى، طيب تصور كده لو كان كليب اكتفى بوكز الناقة لترجع إلى أرض صاحبها.. بلاش دى كمان، تصور لو أن جساس لم يتهور وقرر يتفاهم مع كليب بدلا من أن يطعنه برمحه مباشرة. تصور لو أن الأرشيدوق فرديناند أصابته وعكة صحية وقرر يأجل زيارته لسراييفو، أو تصور لو أن الشاب الذى قتله لم يكن يجيد التصويب أو إنه (اتكعبل) وهو نازل على السلم ورايح يغتال ولى العهد أو حتى اتزحلق فى قشرة موز عطلته ثوانى حتى مر موكب الأرشيدوق، تصور لا لتفتح عمل الشيطان الذى يبدأ بـ(لو) ولكن لتدرك أنه لا شىء فى هذا الكون يسير عشوائيا.

"إنا كل شىء خلقناه بقدر" هكذا قال ربنا وهكذا ينبغى أن نعتقد، الله وحده يعلم ما كان لو لم يكن كيف كان سيكون والله وحده يعلم مآل تلك التصورات السابقة لكن اليقين أنه لا شىء منها يجرى عبثا، يسمى المفكرون والأدباء المعاصرون تلك الأشياء البسيطة التى تؤدى لتغيرات كبيرة أو يؤدى انعدامها لتغيرات أخرى باسم لطيف، يسمونها بتأثير جناح الفراشة butterfly effect تلك التيمة المتكررة منذ سلسلة أفلام العودة إلى المستقبل دائما تعتمد على فكرة معينة وهى تغيير ضخم فى المواقع أو المستقبل نتيجة لتفصيلة تافهة تغيرت فى الماضى، هذه الفكرة تجعلك ببساطة عند إدراكها تنتبه إلى أن أى شىء تفعله أو تقوله قد يؤثر ويغير، أن كل قرار وكل حركة وكل كلمة لها أثر ربما لا يزول بعد ذلك بسهولة، أن اختيارا بسيطا قد يغير وجه الحياة التى نعرفها وأن فارقا كبيرا وربما كارثيا قد يصنعه فرد واحد أو شىء بسيط أو حتى.. فراشة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة