تعلمت منذ أن قررت أن أشغل نفسى بالشأن العام وأحاول أن أغير بلدى إلى الأحسن، وألا أسكت عن الظلم، وأواجه الظالم.. أن للتغيير آليات عديدة نختار منها حسب الهدف والمناخ وإمكانيات كل منا، حسب ظروفه وقدراته، بدأت مع حركة كفاية فى 2004 واستشعرت بقوة شعار «لا للتمديد ولا للتوريث»، ورأيت فى وقفات الشموع وسلالم النقابة آليات بسيطة ستأتى بصداها، ولكن على مدى طويل، ولكن أيقنت بداخلى أن هذا ليس كافيا ففكرت بالانضمام إلى حزب سياسى، فالتغيير لن يأتى بدون محاولة الوصول للحكم، وهذا هو الهدف الأساسى من تأسيس أى حزب، فجمعت بين نشاطى فى الحركة وحزب الغد وقتها، وظل غيرى فى الحركة فقط، أو فى الحزب فقط، فكل منا يختار آليته حسب قدرته وإيمانه بالوسيلة.
وبعد سنوات وجدتنى أستهلك يوميا فقط لإصلاح الحزب دون أى جدوى، ووجدت أن المشاكل الداخلية والمصالح الشخصية والتسلل الأمنى حطمت فكرة أن يكون هذا الحزب هو آليتى للتغيير، فهدفى من الحزب هو مصر وليس الحزب فى حد ذاته، فحاولت الانضمام لحزب آخر، وأيضا لم أجد أنه سيساعدنى فى التغيير المنشود.
وفى يوم من الأيام فى أواخر 2007 قررت أن أعتزل العمل الحزبى قليلا وأن أبعد عن النشاط الحزبى، فوجدت أمامى خلال جلستى على الكمبيوتر والتى كانت طويلة فى هذه الأثناء كنوع من الهروب ما يسمى «الفيس بوك».. شعرت أنه من الممكن أن يكون وسيلتى التى كنت أبحث عنها بعيدا عن المشاكل الحزبية والمصالح الشخصية والاختراق الأمنى، فلم تكن الدولة اكتشفته بعد، بدأت بصفحة «هى فوضى» لدعم التغيير عن طريق الفن، فكم أعجبت بآلية خالد يوسف للتغيير عن طريق هذا الفيلم، وقررت أن أدعم هذه الآلية وأدعو الناس للذهاب فى يوم واحد لمشاهدة الفيلم ودعم خالد يوسف ويوسف شاهين رحمه الله.
وبالفعل لاقت الدعوة قبول الكثيرين ونجح اليوم فى توصيل الرسالة «الفن آلية من آليات التغيير»، من «هى فوضى» إلى 6 إبريل إضراب عام لشعب مصر، وكان نجاح اليوم هو ذروة التغيير وكسر حاجز الخوف الذى كنت أنشده، لم أفرض آلية للاشتراك فى الإضراب بل كتبت حسب استطاعتك خليك فى بيتك أو ارفع علم مصر أو البس أسود أو شارك فى المظاهرات أو قاطع الشراء، اختر أنت، فأنت أدرى بما هو أنسب لك، المهم أن تشارك فقط، ومن هنا كان النجاح، ومن هنا بدأت تستخدم آلية التواصل الاجتماعى كآلية للتغيير من الجمعية الوطنية للتغيير لكلنا خالد سعيد لثورة 25 يناير.
هذه الفترة كانت تتراوح من 2004 إلى نهاية 2010، تنوعت آلياتنا من مظاهرات وإضرابات وتواصل فى العالم الافتراضى حتى وصلت إلى ثورة، وتزامنت تلك الآليات مع آليات آخرين كنا نتفق معهم فى الهدف ولكن نختلف معهم فى الآلية، فكانوا ينتهجون منهج الإصلاح من الداخل، وكانوا يظنون أن هناك أملا ووقتا فى ذلك.
ولكن نظرا لاختلاف المرحلة العمرية واختلاف المناخ حولنا وحولهم كانوا يرون أشياء لم نرها، وكنا نرى أشياء لم يروها.
استمروا هم فى آليتهم وتمسكنا نحن بآليتنا، ولأن الوقت قد مر وآليتهم فقدت صلاحيتها فلم تأت بمفعولها فى ذلك الوقت، ونجحت آليتنا نحن التى كانت تتماشى مع الظرف وغضب الناس والفشل فى كل المجالات والخوف من التوريث الذى لم يكن يخشاه الشعب فقط بل الجيش أيضا، فلذلك نجحت آلية الثورة آنذاك، ورغم اختلاف آلياتنا لم يخن بعضنا بعضا ولم يتهم بعضنا بعضا بل على العكس تعلمنا منهم وتعلموا منا، وانضموا لنا ولم نطردهم أو نستبعدهم، بل كنا يدا واحدة فى الثورة ولذلك نجحنا.
إبان الحكم العسكرى وسنة الحكم الإخوانى اختلفت أيضا وتعددت الآليات بين الجلوس مع المجلس العسكرى فى أول فترات حكمه ثم المظاهرات ضده والهتاف بسقوطه، وبين عصر الليمون والدعوة للمقاطعة والإبطال وبين الجلوس مع مرسى فى بداية حكمه وبين التظاهر ضده بعد إعلان دستورى فاشل، حتى انتهينا بتمرد، وأحدث الآليات التى انتهجناها هى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة كوسيلة مبتكرة منا رفضها مرسى، فكانت الثورة الملاذ الأخير، ولكن فى هذه الفترة ارتفعت حدة التخوين والمزايدة السياسية ووصلت ذروتها هذه الأيام، فمن لم يشاركك آليتك فى النضال والتغيير السلمى فهو بائع لمبادئه ويبحث عن مصلحته.
وهذا ما أريد الوصول إليه بعد كل هذا السرد التاريخى، اختلفت مع أصحاب المنطق الإصلاحى فى 2009 فكنت أرى أن وقته مضى ولم يعد له محل من الإعراب، ولكن أرى الآن أن هذه هى الآلية الأقرب لى شخصيا، فلا أستطيع أن أشارك فى مظاهرات يتسللها الإخوان بأسلحتهم أو يستغلونها لأغراضهم الشخصية وفى نفس الوقت لم ولن أسمح لنفسى أن أسكت على ظلم وفساد، بل سأفضحه وأعلن عنه وأرفضه وأبحث عن كل وسائل الضغط لإصلاحه وتعديله وفى الخلفية الذهنية الميدان دوما موجود، ولن يختفى، ولكن له وقته، فبعد ثورتين وتهديدات خارجية لا أتخيل أن تعيش البلاد فى ثورات أبد الدهر.
لم ولن أخون من اختار الاستمرار فى آلية التظاهر السلمى حتى ولو رأيت أن تأجيلها واجب، لم ولن أخون من قرر مقاطعة الانتخابات رغم رفضى القاطع للآلية، لم ولن أخون من اختار مرشحا منافسا عن اقتناع حتى لو اختلفت معه.
فى اعتقادى الشخصى أن التطور الطبيعى للثورات والثوار أن يتحولوا من ثائرين إلى إصلاحيين داخل مؤسسات الدولة حتى ينفذوا ما يؤمنون به، فالتغيير بآليات الشارع له وقته ودوما مطلوب كوسيلة ضغط من جهة على أشخاص إصلاحيين يستجيبون لهذا الضغط ويبدأون فى البناء.
وتنفيذ مطالبات التغيير لن تأتى إلا بتطبيق مبادئ الثورة وأفكارها من داخل المؤسسات مهما كان حجم الفساد التراكمى، فلابد أن يتم تطهيره داخليا وتدريجيا.
فليس كل من يثور قادرا على البناء، وليس كل من يبنى يعى قيمة الثورة، ولكن لابد أن يتعلموا كيف يعملون سويا باحترام ويدركون متى يثورون ومتى يبنون.
دعوا الجميع يحاولوا، واجعلوا مصر فقط نصب أعينكم، اختاروا آليتكم ودعوا الآخرين يختاروا، فقد تكتشفون أنهم على حق فتلتحقون بهم، أو يكتشفون أنكم على حق فيلتحقون بكم، فالنوايا ملك المولى عز وجل.