ستدفع البلاد ثمنا كبيرا للفوضى التى اجتاحتنا خلال السنوات الثلاث الماضية، باسم الثورة والثورة منها براء، فالثوار الملايين الذين خرجوا للميادين فى 25 يناير وما بعدها حتى 11 فبراير، لم يغادروا إلا بعد أن أزالوا آثار الخيام والمبيت على الأرض وأعادوا طلاء الأرصفة والجدران فى إشارة مبهرة نقلتها قنوات العالم أجمع بأن الثورة تهدم النظام الفاسد، لكنها علامة على البناء.
الفوضى التى أتحدث عنها، هى شعور المواطنين بأن قبضة القانون قد ارتخت وأن الغابة قد حلت محل الدولة، ومن ثم بدلا من تدعيم القانون انطلقت من داخلنا جميع الممارسات التى تهدمه وتعزز دولة الفرد، البناء دون ضوابط، احتلال الشوارع، سرقة الكهرباء، الانفلات الأمنى، جرائم الشرف والانتقام، استفحال الفساد الصغير والكبير، تهريب الأموال وغسيلها وفق آليات التواطؤ و«شيلنى وأشيلك»، كل ذلك إلى جوار الإرهاب المدعوم والممول من الخارج.
مع الثورة الثانية ضد حكم مرسى والإخوان انشغلت الدولة العائدة من الغيبوبة بمواجهة الإرهاب وجيوب القاعدة وفلول الجماعات التكفيرية على الحدود الأربعة وفى سيناء، وضرب مراكز اتصال وتمويل وتسليح الإخوان، وذلك طبيعى بحكم أهمية القضية على رأس أجندة الدولة، إلا أن مسلسل الفوضى استمر على المستوى الشعبى الذى أصبح عشوائيا فرديا يبحث كل فرد فيه عن أكبر قدر من المكاسب دون أن يتساءل عن شرعية وقانونية هذه المكاسب، بعد أن جعل الإخوان من كلمة «شرعية» لفظا مبتذلا مثيرا للسخرية!
مواجهة المبانى المخالفة أو تجريف الأراضى الزراعية أو البناء عليها أو التعدى على نهر النيل الخالد أو سرقة الكهرباء أو احتلال الميادين والشوارع من قبل الباعة الجائلين، لن تكون بلا ثمن بعد أن استمرأ كثيرون الفوضى والعشوائية والبلطجة، وستفتح الحكومة جبهات عديدة وسيسقط ضحايا مستفيدون من بقاء هذه الفوضى، وسيركب حقوقيون «أرزقية» ومرتزقة الموجة للدفاع عن البلطجية فى مواجهة القانون، بل وسيركب سياسيون إخوان وغير إخوان الموجة أيضا وسينصبون سيرك اللطم والندب ضد قسوة الحكومة والشرطة ضد المواطنين وفى اللحظة نفسها يعيبون على الحكومة والشرطة عدم الحسم فى تنفيذ القانون!
الانتهازية السياسية والانحطاط الأخلاقى جزء من التعديات التى يجب أن تواجهها الدولة فى مرحلة العودة والتعافى، وتشويه القانون ومقاومته، هو جزء من الثمن الذى تدفعه الدولة أيضا، إلا أن رهاننا جميعا فى وضوح الطريق الذى تسير فيه الحكومة وإصرارها على تحجيم المخالفين ومحاسبتهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة