التاريخ السياسى بأحداثه ومواقعه ومشاهده، يشهد بأن هناك ما يسمى بنظرية المؤامرة، ولكن لا أحد يخلق أو يختلق الأسباب المباشرة لهذه المؤامرة بالكامل أو بالمطلق، ولكن دائمًا ما يكون هناك أسباب ومشاكل وقضايا محلية يتم استغلالها وتصعيدها بهدف اختراق هذه المشاكل، وتلك القضايا للوصول إلى الأهداف والغايات المطلوبة، هذا فى الوقت الذى يجب فيه عدم الارتكان والاستناد إلى تعليق الأخطاء والخطايا والتقاعس عن حل هذه المشاكل على شماعة المؤامرة، ولكن الأهم هو رصد وبحث ودراسة هذه المشاكل ووضع الحلول الناجزة لها حتى لا تتجذر ويتم استغلالها، ولذا فمن المعروف أن مصر بتركيبتها التاريخية وبطبيعتها الحاضنة ولظروف المكان والمكانة قد شهدت كثيرا من الغزوات الحربية والهجرات الجماعية التى أوجدت عديدا من الثقافات الخاصة بعاداتها وتقاليدها، مثل الثقافة القبطية والنوبية والبدوية، ولكن فى ظل الدولة المصرية القوية والقادرة والحامية والعادلة تكون هى الجامع والموحد لهذه الثقافات الخاصة، حتى أن هذه الثقافات الخاصة قد أصبحت مصدر ثراء بتعددها للثقافة المصرية العامة، ولكن فى ذات الوقت فإنه فى ظل ضعف الدولة وعدم استقرارها وإسقاط قوانينها وضياع هيبتها، وعندما يغيب العدل وينتشر الفساد، عندما تحل البلطجة مكان الأمن ويكون السلاح بديلاً للأمان ويكون التفتت والتشرذم بديلاً للتوحد والتجمع، هنا ترتد الأمور إلى أصولها الخاصة، فتظهر الثقافات الخاصة وتنتشر الطائفية وتتكرس القبلية وتتجذر الحزبية، وعلى ذلك يجب عدم النظر إلى أحداث أسوان بين بنى هلال والدابودية على أنها أحداث عادية أو أن يتم معالجتها بالطريقة التقليدية بذهاب فضيلة شيخ الأزهر وتشكيل لجنة مصالحة عرفية تنتهى بالقبلات الشكلية والكلمات النظرية، وتظل جذور المشكلة كما هى فى الأعماق حتى تظهر بشكل آخر أكثر تصعيداً وأشد خطورة على الوطن بكامله، فالأسباب الشكلية والظاهرة ليست هى السبب ولكنها هى المحفز لما فى الأعماق ليخرج فى هذا الشكل الكارثى، والكامن هو تلك الثقافة الخاصة والنظرة المتدنية لكل طرف تجاه الآخر، فكان من الطبيعى أن تنفجر هذه الأحداث سواء كانت بفعل فاعل من وراء الستار أو بنتيجة لشرارة البداية التى استغلت الوضع الاستثنائى الذى تعيشه البلاد، الذى يستهدف إسقاط الدولة وليس إسقاط النظام، وحتى يتم تصوير الأمر على أن الحروب الأهلية هى المسيطرة على المشهد العام، وما يساعد على ذلك تلك الكميات الوافدة من السلاح إضافة لأوضاع الصعيد التى تجاوزت كل الحدود ولا ترى غير الوعود الكاذبة، الأمر خطير ولا يحتاج إلى هذا التقاعس وذاك الغياب الحقيقى للدولة، فأين الدولة التى تسعى وتتحدث عن هدنة بين مصريين؟ أين الدولة وهى تسعى لوسطاء للحل بدلاً من تطبيق القانون؟ فالحل هو عودة هيبة الدولة بتطبيق القانون بحزم وحسم وفوراً وعلى الجميع، فلا عرف مع القانون فدولة العرف بديلاً للقانون هى رخوة وحكومتها فاشلة، فالدولة هى الوحيدة التى تستعمل القوة حفاظاً على كيانها، ولا هيبة ولا قانون بغير عدل، يشجع المواطن على الالتزام بالقانون، حافظوا على الوطن الموحد ولا تعطوا الفرصة لمن يريد التفتيت.