دائما ما كنت أظن أن زهد أبوالغار أقرب للزهد السياسى لمحمد فريد، ورغم أن محمد فريد كان بلغة عصرنا علمانيا، فإن حزبه اتهم بالانحياز للخلافة الإسلامية، هكذا أبوالغار وحزبه، إلا أنه وفى أحد اللقاءات قال لى أبوالغار: «مثلى الأعلى النحاس باشا»، توقفت كثيرا أمام الشخصيتين، وقرأت أكثر عن أبوالغار ووجدتنى أنحاز لوجهة نظره.
الغريب أن الحاج محمد أبوالغار الجد ولد فى نفس عام ميلاد النحاس «1876»، وكلاهما من عمق النهر بوسط الدلتا، الأول شبين الكوم والثانى زفتى، كان الجد تاجر أقطان، يجيد الفرنسية، يميل للحزب الوطنى مدافعا عن فلاحى دنشواى ومن أنصار ثورة 1919، ومن أوائل من علموا بناتهم جامعيا.
من هنا ولد محمد أبوالغار 1940، رضع من ثدى النهر، وامتداد لمدرسة الجد وكفاح الأب وتكحلت عيناه من طمى النهر، ونما بين الثورتين، وفى مراحل تكوينه الأولى صدم بكتاب مكرم عبيد الأسود، وفى بدايات ثورة يوليو التحق بالجامعة، تخرج 1962 والأهازيج الوطنية تعلن عن تحويل مجرى الوطن والنهر، و1965 يرحل النحاس باشا إبان حصوله على دبلومة الجراحة، ورغم سطوة ناصر إلا أن جنازة النحاس كانت نب وءة لنهاية عهد.. إلى الغرب يذهب للدراسة ويحصل على الدكتوراه 1969، فى النساء والولادة، ويؤسس مدرسة للتخصيب بالأنابيب فى مصر وكأنه لا يكتفى بمساعدة البشر، بل يمتد نشاطة إلى محاولة إخصاب الحلم الوطنى، فنجده دائما فى صفوف الحركة الوطنية مشاركا الحركة الطلابية من أجل حرب التحرير 1973، مناهضا للمباركية والتوريث، مؤسسا حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وتندلع 25 يناير 2011 فنجده فى الصفوف الأولى، ويقوم بأكبر عملية إخصاب بالأنابيب بتأسيس بين «اليسار الديمقراطى والمسيحية السياسية»، ويولد الجنين «الحزب المصرى الديمقراطى»، وقبل أن يكتمل نموه يشارك ويصاهر المصريين الأحرار «الرأسمالى» والتجمع «اليسارى» لتولد «الكتلة» فى الانتخابات البرلمانية، وبعد 30 يونيو يترأس الوزارة د. حازم الببلاوى ونائبه د. زياد بهاء الدين، ويصب أنصار النظام المباركى جام غضبهم على المصرى الديمقراطى، وتتسع رقعة اتهام الحزب «كما حدث للوفد بعد مارس 1942»، وتهتز بنية الحزب ويستقيل د. عماد جاد «مكرم عبيد» المعاصر، ومع احترامى للجميع، هل يعيد التاريخ نفسه وتتأسس كتلة جديدة؟ أم تنجح محاولات اليسار فى استقطاب د. زياد بهاء الدين رئيسا للحزب، فيموت الحزب إكلينيكيا، فى كل الأحوال كما عاش النحاس ورحل الوفد القديم، سيبقى د. محمد أبوالغار الإنسان والفنان مولد مصر حتى وإن مات حزبه إكلينيكيا لأنه يستطيع أن يولد مصر مرات ومرات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة