من يتأمل أحوالنا هذه الأيام، سيكتشف بسهولة أن الغالبية من المصريين لا يحبون عملهم، وأن أكثرهم يتأفف مما يعمل، ومعظمنا يظن أنه يستحق عملا أفضل مما يمارسه وأجرا أكبر مما يتقاضاه!
فى كل المهن والوظائف والأعمال ستصطدم بملايين البشر الذين يظنون أنفسهم عباقرة، لكن الحظ السيئ عاندهم وحولهم إلى ضحايا، فالوزير والوكيل والمهندس والطبيب والصحفى والمحاسب والمدرس والضابط والشرطى والعامل والسائق والجرسون والفراش.. وغيرهم.. كل واحد من هؤلاء يعتقد أن الزمن يقف له بالمرصاد، وأنه لو نال حقه من الإنصاف لبلغ مستوى أفضل، ولجمع مالا كثيرا!
هذا الامتعاض من العمل أو من المهن التى نمارسها انعكس بصورة مذهلة على الأداء، حتى أصبحنا فى عداد الشعوب الكسولة التى لا يعرف فيها المرء فضيلة إتقان العمل، ولا يريد أن يتعلم ويتطور، مؤمنا بالمقولة السيئة (على قد فلوسهم)!
لا يغيب عن فطنتك أن السبب الرئيس فى إشاعة هذا السلوك السلبى لدى المصريين يتمثل فى غياب العدل الاجتماعى، وقد شهدنا طوال أربعين سنة كيف تمكن حفنة من أصحاب السلطة والجاه أن يراكموا الأموال الحرام فى جيوبهم بينما 40% من عدد المصريين يعيشون تحت خط الفقر! كما أن بطش السلطة واحتقارها للناس فى العقود الأخيرة غرز فى نفوسهم البذرة الفاسدة لبغض العمل والنفور منه.
اللافت للانتباه أن انصراف المصريين عن ممارسة عملهم بإتقان وتجويده تزامن مع تنامى ظاهرة (التدين الشكلى)، فتجد المرء حريصا أشد الحرص على أداء الصلاة فى موعدها، وهو أمر طيب ومحمود لا ريب، لكن فور أن تنتهى الصلاة يعود الواحد منا إلى كسله وتذمره وقرفه مما يعمل، ناسيا الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التى تحض على حب العمل وضرورة إتقانه وتجويده!
لست من المتشائمين، ولكننى أحذر أى رئيس جديد لمصر من هذه المصيبة القابعة تحت جلد الملايين، فإذا لم يجد لها حلا جذريا، فلن يستمتع بمنصبه ولن يهنأ به، علما أن الناس لن تحب العمل إذا شعرت لحظة أنه لا يوفر لها الحياة الكريمة!