يعد د/ محمود جامع موسوعة سياسية تمشى على قدمين فقد عايش عصر الملك فاروق ثم عبدالناصر ثم السادات ثم مبارك ثم ثلاثة عصور بعد الثورة.. وكان له أثر سياسى وفاعلية مجتمعية فى معظم هذه العصور.. كما كان قريبا ً من صناعة القرار السياسى فى عهد السادات.. كما كان عضوا ً من قبل فى النظام الخاص للإخوان المسلمين حينما كان طالبا ً بكلية الطب.. وشهد الحياة بكل عزها وذلها وشدتها ورخائها وحريتها وسجنها وقربها من الإنسان وبعدها عنه.
ولقد توقفت عن الجزء الأول من شهادة د/ جامع على عصره عندما فصلته قيادة الإخوان من الجماعة والنظام الخاص معا دون ذنب.. سوى أنه حاول مع مجموعة من زملائه الطلاب استئذان قيادة الجماعة فى لقاء الرئيس عبدالناصر والتوسط فى حل المشكلة المستعصية بين عبدالناصر والهضيبى.. ورغم فصله من الجماعة والنظام الخاص إلا أنه صار مطاردا ً من الأمن عقب محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية. حتى قبض عليه قدرا ً حينما تعرف عليه أحد الضباط من زملاء الدراسة السابقين حينما كان يعمل مع عمال التراحيل هربا من الأمن لتطوى بذلك صفحة حريته.. ولولا تدخل السادات وشفاعته له لدى عبدالناصر ما خرج من السجن والعذاب أبدا ً.
وقد حكى د/ جامع فى شهادته قصة اغتيال النظام الخاص للنقراشى باشا.. ومن قبله اغتياله للقاضى الخازندار.. وكيف أن الشيخ البنا استدعى عبدالرحمن السندى قائد النظام الخاص بالإخوان وقال له موبخا ً: لم قتلت الخازندار؟ ومن أمرك بهذا؟.
فرد السندى على البنا بتلقائية: ألم أقل لك إنه أعطى للإخوة أحكاما ًمشددة فقلت لى: ربنا يخلصنا منه.. ده يستاهل قطع رقبته!
فقال له الشيخ البنا: وهل معنى ذلك أن تقوم بقتله.. ماذا أقول للقضاة؟.. وماذا أقول للمستشار الهضيبى؟ ماذا أقول للناس؟
ثم بكى الشيخ/ حسن البنا بكاء ً شديدا ً أمام د/ عبدالعزيز كامل والمهندس حلمى عبدالمجيد ود/ فريد عبدالخالق.. وهؤلاء الثلاثة كانوا أصدق أصدقاء د/ جامع.
وعندما سألت د/ جامع عن سر استبقاء الشيخ البنا للسندى فى رئاسة النظام الخاص رغم كثرة أخطائه وشبه استقلاله به عن قيادة الشيخ البنا.
قال: لا أدرى.. ولكنى أعلم أن الأمور تدهورت بسرعة حتى وصلت الأمور إلى اغتيال النقراشى.. ولم يجد البنا تقريبا فرصة لعزله قبل ذلك.. كما أن عزل رجل يملك السلاح والرجال الذين يطيعونه طاعة عمياء ليس بالأمر اليسير.. ولعل الهضيبى الأب الذى عزل السندى وأحل محله يوسف طلعت أدرك هذه الصعوبة.. حينما قام السندى ورجاله بتفجير علبة حلوى المولد فى المهندس/ سيد فايز الذى ناصر الهضيبى الأب فى حله للنظام الخاص وعزل السندى ورجاله.
وأخبرنى د/ جامع أن: «السندى لم يكن يترك هذا المنصب الخطير بسهولة.. فقد تحالف مع عبدالناصر ضد الشيخ الهضيبى الأب والإخوان».
وعندما سألته هل تدربت على السلاح مع النظام الخاص.
قال: نعم تدربت مع مجموعة فى صحراء المقطم فى الأربعينيات على حرب العصابات والمصارعة والمتفجرات والأسلحة.. وذلك من أجل التطوع لفلسطين.. وكان يدربنا فى هذه المعسكرات جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين وعبدالمنعم عبدالرءوف وكانوا وقتها ضباطا ً بالجيش.. وأصبحوا بعد ذلك أعضاء مجلس قيادة الثورة.
وعن حالة الإخوان بعد قرار حلها على يد النقراشى قال د/ جامع: «حدث اضطراب كبير فى أحوال الجماعة.. وقامت بطبع نشرة سرية اسمها «الوثبة» وكنت أقوم بتوزيعها سرا ً وكنت وقتها قصير القامة وصغير الجسم فلم يتصور المخبرون أننى أقوم بذلك.
وبعد مقتل النقراشى أشرف وزير الداخلية إبراهيم عبدالهادى على القبض على الإخوان وتعذيبهم.. لذا حاول الإخوان قتله.. ولكنهم لم يعرفوا سيارته التى تشابهت مع سيارة رئيس مجلس النواب حامد جودة الذى أصيب فقط وهذه المحاولة أدت إلى تفاقم الأمور وساهمت بشكل كبير فى التعجيل باغتيال الشيخ حسن البنا وبعدها تمزقت الدعوة الإخوانية تمزقا ً كاملا يصعب رتقه فقد كانت هذه أول مرة يتعرضون فيها للقبض والاعتقال والتعذيب الجماعى والتعقب لهم فى كل مكان.
وعن علاقة الجماعة بالنظام الخاص قال د. جامع « الإخوان كانوا فى الأربعينيات والخمسينيات عبارة عن تنظيمين فى داخل بعضهما البعض.. أحدهما الجماعة العلنية المعروفة التى يقودها الشيخ البنا بإمكانياته ودعوته وعلمه وتربيته وحلمه على الناس.. وهناك تنظيم آخر مختلف عنه تماما ً هو النظام الخاص برئاسة السندى الحاصل على مؤهل متوسط ومريض بالقلب ورغم ذلك يقود العمل العسكرى وعنده همة كبيرة.. وكان يعتمد على الطاعة العمياء والسرية المطلقة وقوة التحمل والانضباط وكثرة الصلاة والصيام مع الدراسة الدينية والعسكرية.
وعن أهم عيوب النظام الخاص قال د.جامع: «الطاعة العمياء وإلغاء فكر الإنسان.. وكذلك الكبرياء والغرور والعلو على باقى الإخوان والعوام.. وكان الفرد العادى فى الإخوان ينظر بإعجاب إلى فرد النظام الخاص».
ومن أهم عيوبه أيضا ً انفراده بالتصرف من تلقاء نفسه.. مما أدى إلى ضربات موجعة للإخوان بعد ذلك بسببه.
وقد قال د/ جامع: «إن السندى استقل استقلالا ً كاملا ً بالنظام الخاص بعد فترة بسيطة من توليه القيادة.. وأن معظم عملياته كانت دون إذنه».
وعندما شكرت د/ جامع على مصداقيته الكبيرة فى سرد تاريخ حياته وخبراتها قال: وهل لى فى هذا العمر إلا المصداقية.. وإذا كان هذا سلوكى وأنا شاب فهل أتخلى عنه فى هذا السن.
لقد زادت هذه الشهادة - حينما سمعتها منذ عدة سنوات قبل ثورة 25 يناير من أستاذى د/ محمود جامع - من قناعتى الأكيدة أن الأجنحة العسكرية التى أنشأتها الحركة الإسلامية طوال تاريخها لحماية الدعوة هى التى قتلت الدعوة الإسلامية ووأدتها وحشرت أبناءها فى أتون السجون والتعذيب.. وهى التى دمرت سمعة الحركات الإسلامية.. ولم تحرسها ولكنها قتلتها وذبحتها وذبحت الوطن نفسه.. وجرت الحركة الإسلامية إلى الخلف بدلا ً من حمايتها وحراستها.. وهى التى لوثت ثوب الدعوة الأبيض بالدماء الحرام.
كما وقر فى قلبى وعقلى أن التاريخ يعيد نفسه دون أن نتعلم منه.. ودون أن نحكيه للأجيال بأمانة وصدق.. فنفس الذى حدث مع رئيس البرلمان حامد جودة الذى أصيب ولم يقتل حدث مع د/ رفعت المحجوب ولكن الأخير قتل.. فقد كان المقصود فى الأربعينيات إبراهيم عبدالهادى وزير الداخلية وكان المقصود فى التسعينيات عبدالحليم موسى وكلاهما نجا من الحادث لتشابه السيارات.. لقد كانت الأجنحة العسكرية فى كل زمان سببا ً فى استعجال الصدام المسلح بين الحركة الإسلامية والدولة وجر الطرفين إلى معركة ليس فيها غالب ولا مغلوب سوى الوطن الجريح.. يتقاتل فيها أهل الإسلام ويقتل بعضهم بعضا.. وكلما زادت المعركة اشتعالا ً ازدادت دعوات الثأر والانتقام وقلت فرص التصالح والمراجعة من الطرفين.
فهل نعى دروس التاريخ؟.. أم أننا نبدأ دوما ً من نفس نقطة البداية بدلا ً من أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون؟!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن البنا الراكع للملوك
الاخوان ضد الاسلام وضد القيم الانسانية وضد الشرف والامانة
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم ابو اسماعيل الكذاب
الكذب عندنا حلال
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد حسنين
المقال مش هيعجب المواطنين الشرفاء يا دكتور ناجح
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
يا دكتور ماذا فعل الشهود طوال 33 سنه - الفساد هوه هوه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
fayez
اراك تحاول ان تجد مخرجا للاخوان