عرفت السفير والمفكر حسين أحمد أمين منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى، وذلك عبر شقيقه المفكر الكبير الدكتور جلال أمين.
كان لـ«حسين أحمد أمين» باع طويل فى مجال الدراسات الإسلامية من باب التنوير، وكان له اجتهادات كبيرة فى قضايا أساسية وجوهرية فيما يتعلق بالحجاب والنقاب والردة، وغيرها من المسائل التى اقتحمها بقوة فى مواجهة شيوخ الفتنة، غير أن المرض أقعده فى سنواته الأخيرة، وعطل مشروعات فكرية كبيرة فى هذا المجال، خطط لها بعد أن خرج من عمله الدبلوماسى، وكان آخرها سفيرا لمصر فى الجزائر وقت الانتخابات البرلمانية الشهيرة فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، والتى تم إلغاؤها بعد فوز جبهة الإنقاذ بها بزعامة عباس مدنى، ودخلت الجزائر بعدها فى إرهاب طويل.
كان حسين أحمد أمين يقول لى عن شقيقه جلال: إنه أعظم مفكر فى مصر، وكان جلال يتحدث دائما عن «حسين» الذى أثر فيه كثيرا، وظهر ذلك فى كتاب «رحيق العمر» وهو الجزء الثانى من سيرة الدكتور جلال، ويهديه إلى حسين قائلا: «إلى أخى العزيز حسين أحمد أمين، عرفانا بجمائله التى تظهر فى صفحة بعد أخرى من هذا الكتاب، واستكمالا لمراسلات بيننا استمرت أكثر من نصف القرن».
يحتوى «رحيق العمر» على جانب من مسيرة «حسين أحمد أمين»، فهو وجلال ورثا من والدهما شغف الكتب، ولاحظ الأب ذلك فشجعهما على القراءة، ويقول جلال: «كان أخى حسين قد تعرف فى سن مبكرة على الأدب الإنجليزى فأخذ يقرأ فيهر بشراهة، وكذلك ما تقع عليه يده منه الأدب الفرنسى والألمانى والروسى المترجمة إلى الإنجليزية، وكان إذا أحب كاتبا أو أديبا تحمس له لدرجة تملك عليه نفسه، فيظن أن هذا الأديب ولا أديب غيره، وأن كل شخص منا يجب أن يترك كل شىء ليتفرغ لقراءته، أو أنه لن يقرأ لكاتب آخر بعد الآن، إذن ما الفائدة، وقد قال هذا الكاتب كل شىء».
يضيف جلال، أن هذا الموقف كان مصدرا حقيقيا لقلق أبيه، ويضرب مثال على ذلك، بأنه قبل امتحان السنة الثالثة لكلية الحقوق بيومين أو ثلاثة، أنهى حسين قراءة رواية «الحرب والسلام» للأديب الروسى «تولستوى»، وشغلته طويلا عن الاستعداد للامتحانات، وخرج بعد انتهائه من قراءة الرواية، ليعلن أنه أتم لتوه قراءة أعظم كتاب، وأنه لهذا السبب اتخذ قرارا لا رجعة فيه، وهو عدم دخول الامتحان وتحويل أوراقه ابتداء من السنة المقبلة إلى كلية الآداب، إذن ما جدوى إضاعة الوقت فى هذه الدراسة السخيفة لقوانين المرافعات والقانون الإدارى، وأنه سيدخل كلية الآداب ويكتب رسالة للدكتوراة عن رواية «الحرب والسلام».
يضيف «جلال أمين»، أنهم كانوا قد تعودوا من حسين على مثل هذا التصرف، وأنه لا يلبث أن يهدأ بعد بضعة أيام ويتحمس لشىء آخر، ولكن الأب انتابه قلقا حقيقيا، فأمر حسين بالإقلاع عن هذا الكلام الفارغ، وأمره بالدخول فورا إلى حجرة المذاكرة وألا يقرأ كلمة واحدة فى غير مقررات الحقوق حتى انتهاء الامتحانات، ونفذ حسين الأمر.. وغدا نستكمل.