مات ماركيز، فانطفأت أجمل وردة فى بستان الرواية العالمية برحيله الخميس 17 إبريل، فالرجل كان نموذجا ناصعا للموهبة الفذة التى لا تجود بها المقادير إلا كل قرن من الزمان فى أحسن الظروف، لذا لا عجب أن يحزن لوفاته كل شعوب العالم الذين تعلموا واستمتعوا برواياته، ولا غرابة أن يطالب رئيس كولومبيا – مسقط رأس ماركيز – الشعب بتنكيس الأعلام ثلاثة أيام حزنا على رحيله.
فى عام 1981، أى قبل أن يقطف جائزة نوبل للآداب بسنة واحدة فقط، فوجئنا سعيد شعيب ومحمد القدوسى وأنا وكنا طلابًا فى الجامعة مهووسين بالأدب والفن.. أقول فوجئنا بقصة قصيرة منشورة فى إحدى المجلات العربية. اسم القصة مدهش ومثير وهو (أجمل رجل غريق فى العالم)، وكاتبها لم نسمع عنه من قبل يقال له جابرييل جارسيا ماركيز!
أكلنا القصة أكلا وحفظناها حفظا، فلما حاز الجائزة الأرفع بعد عام، وترجمت رواياته إلى العربية اندفعنا نقرأ ونستمتع ونحلم ونتعلم، وهكذا صرت لا أتوقف يومًا عن قراءة ما تيسر من أدب ماركيز بعد أن اقتنيت رواياته التى استفدت منها كثيرًا.
فى أثناء أدائى للخدمة العسكرية عام 1984، كنت أقضى الليل فى وحدتى بمدينة (أبوصوير) بالإسماعيلية فى قراءة روايته الأعجوبة (مائة عام من العزلة)، وكنت أتساءل من فرط ذهولى مما أقرأ.. من أى معدن شكل عقل هذا الكاتب المعجزة؟ ثم توالت رواياته وأهمها من وجهة نظرى (الحب فى زمن الكوليرا)، (خريف البطريرك)، (سرد أحداث موت معلن)، (ليس للكولونيل من يكاتبه). وقد ترجمها من الأسبانية مباشرة – حيث يكتب ماركيز بهذه اللغة – المترجم والمبدع السورى صالح علمانى. الآن.. ماذا نتعلم من ماركيز؟ نتعلم منه حب الإنسان، وانحيازه المطلق للعدل الاجتماعى ورفضه القاطع للبطش والديكتاتورية. نتعلم منه فضيلة إتقان العمل واحترام الخيال. نتعلم منه عشق اللغة وسحرها وكيفية تفجير طاقتها المخبوءة.
أذكر أنهم سألوا نجيب محفوظ عن رأيه فى أم كلثوم، فقال إنها نعمة الدنيا، ويمكننى القول إن ماركيز نعمة الدنيا أيضا، فرحم الله الثلاثة أم كلثوم ومحفوظ وماركيز!