اشتعل مؤخرًا «حديث المصالحة» بشتى وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعى الإلكترونية، وتفاوتت ردود الفعل الرافضة والمرحبة، والمتحفظة وخلافه. وسط هذه الأجواء المحتقنة، وبينما نُصبح ونُمسى على اغتيالات وتفجيرات ومواجهات دامية، يبدو أن الإخوان يصرون عليها لنهاية المطاف، الأمر الذى يُعيد للأذهان تجربة التسعينيات مع تنظيمى «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، لكن المواجهة هذه المرة أوسع، وتتمدد خارج حدود مصر، وتتكاتف خلالها قوات الجيش والشرطة، خلافًا للتسعينيات حين تصدى الأمن للأمر بمفرده. لهذا لا يجدى «حديث المصالحة»، فقيادة الجماعة تعتبر 30 يونيو «انقلابًا عسكريًا»، وغالبية الشعب ترفض مجرد الحديث عن المصالحات، بعد الجرائم التى ارتكبها الإخوان وأنصارهم، والذين يواجهون «خطرًا وجوديًا»، وتشكل المصالحة طوق نجاتهم الوحيد، لكنهم رغم ذلك تسكنهم رغبة عارمة بالانتقام والتصعيد.
بتقديرى، فالخلل الحقيقى يبدأ بمنظومة الأفكار التى تتبناها الجماعة، فالأمر يتعلق بمراجعة خطابهم الذى يرتكز إلى أيديولوجية ليسوا مستعدين لمراجعتها، وبدلاً من توقفهم مع أنفسهم لتأمل أسباب انهيارهم، وتحولهم من «جماعة سياسية» وصلت للرئاسة، إلى عصابة إجرامية تلاحقها القوات، راحوا يؤسسون «منظومة إعلامية» لتبرير أخطائهم، وتسطيح جذور الصراع الفكرى مع جميع مخالفيهم، يخطئ الإخوان وأنصارهم حينما يعتقدون بإمكانية فرض أنفسهم بالعنف وترويع المجتمع، ويخطئ أكثر الذى يخوض تلميحًا أو تصريحًا بمسألة المصالحة، فالأمم المتحضرة تتعلم من تجاربها التاريخية، وعلمتنا تجربة التسعينيات مع هذه التيارات أن التعامل الأمنى والسياسى بجدية حسم المعركة حينها، ونجح أن يجبرهم ليس فقط على إلقاء السلاح، ورفع الرايات البيضاء، بل الإقرار بالخطأ عما اقترفوه من جرائم. وبعيدًا عن السجالات المشتعلة إعلاميًا، فهناك تقديرات ترى أن خسائر الإخوان شعبيًا بعد حملهم السلاح منحت مصر «فرصة تاريخية» لتوجيه «الضربة القاضية» لجماعات الإسلام السياسى، فهذا الفصيل لن يستطيع الحياة بعد «تحييد المنابر»، وإخضاعها لوزارة الأوقاف، للتصدى للحشد الدينى الذى كانوا يستغلونه عبر سيطرتهم على آلاف المساجد، لأنها أقوى أدواتهم.