الفتوى هى إخبار عن الحكم الشرعى فى مسألة من مسائل الفقه التى يحتاج إليها المستفتى فى حياته العملية، والحكم الشرعى هو موضوع علم الفقه الذى يبين الأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية.
والمفتى لابد أن يكون مسلحا بالعلم الشرعى وبخاصة علم الفقه وأصوله، مع علم اللغة، وعلوم التفسير، خاصة ما يتصل بآيات الأحكام، ولعلم الأصول مصطلحاته الفنية ودقائقه التى تحتاج إلى تخصص مبكر فى العلوم الشرعية، وطريقة تخريج الأحكام والقياس، وفهم السياق والواقع الذى تطبق فيه تحتاج إلى فطنة وعلم وحصافة من المفتى.
ولتعقد الحياة المعاصرة وظهور ما يعرف باسم النوازل، أى القضايا الفقهية الجديدة والكبرى التى لم تعرفها الأمة الإسلامية من قبل، فإن مسألة الفتوى والتعرض لها والتصدر لتلقى أسئلة الجمهور لم تعد مسألة فردية، ولكن يتعرض لها ما يعرف باسم المجامع الفقهية، ورغم أن المجامع الفقهية قوامها الرئيسى متخصصون فى الشريعة فإنها تضم متخصصين وخبراء آخرين فى القضايا الواقعية والحياتية التى تكون محل سؤال المستفتى وجواب الفقيه، كما أن المجامع الفقهية تعنى أن تخريج الفتوى أصبحت عملا جماعيا يشاور فيه المفتى مجمعه قبل أن يتعرض بالجواب عليها، خاصة لو كانت نازلة كما هو الحال فى أحكام المواجهات فى سوريا، وطرق تصرف الناس فى مواجهة النظام السياسى الذى يستخدم جيشه لقتل الناس، وانتهاك أعراضهم، وتدمير ممتلكاتهم.
رأيت الشيخ ياسر برهامى فى أحد البرامج وهو يتحدث عن فتواه بعدم دفاع الزوج عن زوجته لو تيقن له أن دفاعه عنها لن يحميها من العدوان وأن حياته ستفقد، فيكون قد خسر حياته ولم يمنع زوجته من الاعتداء عليها.
واستند فى ذلك إلى كلام عام يعرفه غير المتخصصين فى الشريعة، وهو كلام يعكس عدم تمكنه من التخريج الفقهى، فقد اعتبر أن حفظ النفس مقدم على العرض فى ترتيب العلماء للضرورات الخمس، وبذلك يحفظ الزوج نفسه أولا حتى لو قاد ذلك إلى عدوان على زوجه، بيد أن الضرورات الخمس كما طرحها الأصولى الفقيه «الشاطبى» فى كتابه الموافقات للإشارة إلى أن الشريعة بمجموع أدلتها ضمنت بقاء هذه الضرورات وحفظها، وأن حفظ الدين والنفس والعرض والمال والعقل هى مقصود الشريعة الأعظم، وأن ذلك فى كل ملة.
لكنه لا يمكن الاستدلال من ذلك بأن يحافظ الرجال على حياتهم إن كان فى ذلك الحفظ إهدارا لعرضهم بترك زوجاتهم يتعرضون للعدوان من الصائلين المجرمين، وإلا فإن حديث النبى فى السنن «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد»، فهو هنا يضحى بنفسه لأجل ماله رغم أن الحفاظ على المال جاء متأخرا فى الترتيب بعد النفس، لأن القصد هنا منع الجريمة فى المجتمع، وجريمة الصيال تهدد الأمن وتشيع الفوضى، لذا من أراد السرقة بالإكراه وقاومته فقتلت فأنت شهيد، وأن القتل دون العرض هو فطرة إنسانية تتجاوز التخريجات الفقهية الباردة، وإلا فإن عرض المسلمة الواحدة هو عرض للمسلمين جميعا، ولذا حرك المعتصم جيشه لتحرير مسلمة قالت وامعتصماه.
وعرض الزوجة هو مما يفتدى به الإنسان نفسه حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين، وتلك فطرة فطر الله الناس عليها، وكان شيخنا العلامة محمد الطاهر بن عاشور فى كتابه القيم «مقاصد الشريعة» اعتبر الفطرة من مقاصد الشريعة، وأن ما يتفق معه هو من الدين «فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم».
ففى كل التاريخ الإنسانى يبذل الرجال مهجهم من أجل أن تبقى نساؤهم مصانة محفوظة، والإسلام بالقطع يحفظ الأعراض ولو أدت إلى قتل النفس والمهج، على الدعوة السلفية أن تراجع طرائقها فى الإجابة على الفتاوى.