فى الثلاثاء الماضى نشرت مقالا بعنوان «مستقبل الإبداع مع السيسى» وتطرقت فيه إلى عدة أمور أهمها تلك المعارك الدائرة حول حلاوة روح هيفاء وقضية سما المصرى، وقلت إن تلك المعارك المفتعلة لا تمثل بالنسبة لى إلا عملية إلهاء للرأى العام لتمرير قضايا أخطر، وبالفعل أصدر الرئيس عدلى منصور فى يوم نشر المقال قرارا بقانون يحصن فيه قرارات الحكومة وتعاقداتها من الطعن عليها إلا من خلال ثلاثة أطراف، الأول هو الحكومة والثانى هو الجهة التى تعاقدت معها الحكومة والثالث هو أصحاب الحقوق الشخصية والعينية، أما ماعدا هذا فلا يجوز للمحاكم المدنية أن تنظر فى أمر هذه القضايا حتى لو كان الفساد ظاهرا فيها ظهور الشمس فى كبد السماء.
لا أبالغ إذا قلت إن هذا القرار هو أخطر قرارات عدلى منصور وأقبحها على الإطلاق، ولا أعرف كيف يشوه منصور صورته بقرار مشبوه وقانون ظالم كهذا القانون الذى يهدم أول ما يهدم سيادة القضاء وقدسية منصته، فهذا القانون جعل المصريين غرباء فى بلدهم، كما أبطل دور منظمات المجتمع المدنى والقانونى، كما أن صياغة القرار بهذا الشكل القاطع التى حددت الجهات التى يحق لها الطعن على تعاقدات الحكومة جعلت من تدخل مجلس الشعب القادم فى قرارات الحكومة والطعن عليها محل شك والتباس، ما يعنى السلطة التنفيذية الممنوحة للرئيس ألغت عمل باقى السلطات، وأنها أممت الدولة لصالحها وجعلت من نفسها الخصم والحكم والآمر الناهى.
ولم يجن هذا القرار على المستقبل فحسب، بل جنى على الماضى أيضا، ففى إحدى فقراته الخبيثة قال القانون: «تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها، بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما فى ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون»، بما يعنى أن أى قضية تتداولها المحاكم الآن فى هذا الشأن قضية باطلة، وأنها لم تمنح فاسدى المستقبل قبلة الحياة فحسب، وإنما أحييت فسادى الماضى أيضا، وأضعفت من موقف مصر فى القضايا محل التفاوض الآن مع رجال الأعمال الهاربين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة