فى الأحداث الكبرى، نكتفى غالباً بجملة واحدة، شعار أو هتاف يشحذ الطاقات ويختصر المطالب ويعبر عن اللحظة الثورية، مثلما حدث واختصر الشعب مطالبه فى شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، كما يكتفى الثائرون بحركة واحدة هى فى الأغلب التلويح بالعلم الوطنى أو بقبضة اليد فى الفراغ، الذى هو فراغ النظام الفاسد.
ما بعد انتهاء الأحداث الكبرى، يبدأ الاختبار الحقيقى اختبار لقادة الثورة، كما يبدأ الاختبار للعلماء والموظفين العموميين والفنيين المتخصصين «التكنوقراط» وهذا الاختبار عبارة عن سؤال كبير واحد: كيف يعبر كل فى تخصصه ومكانه ومسؤوليته عن أهداف الثورة ببرامج وسلوكيات وسياسات وأعمال تطوعية وأفكار نظرية شارحة؟
وأسأل نفسى وأسألكم، هل نجح أحد ممن شاركوا وقادوا ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فى الإجابة عن السؤال الثورى الكبير؟ قبل أن أجيب أو تجيبوا عن السؤال، أذكركم وأذكر نفسى بالممارسات والأفكار المغلوطة والأفكار المزيفة عن عمد أو عن سوء نية وعن كم المزايدات الهائل الذى سقطنا فيه، والذى لم يكن ليحدث لولا تصور الغالبية الساحقة من الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ثوريون، أن استمرار الثورة لا يعنى سوى تكرار شعارها الشهير أمام الفضائيات أو فى الوقفات الرمزية أمام نقابة الصحفيين أو عند قصر الاتحادية، مشفوعاً بالتلويح بقبضة اليد فى الفراغ أو التلويح بالعلم الوطنى فى الهواء!
لماذا سقطنا فى هوة المزايدة وتجارة الشعارات؟ لماذا أصبح المجد الشخصى المزيف أهم لدى كل واحد من خطوة بسيطة نحو إصلاح حال البلد؟ لماذا أصبح الشغف بظاهر الثورة وقشرتها الخارجية أهم لدى كل واحد من جوهرها الذى يعنى إجهاد النفس فى خطط وبرامج وتضحيات لتطبيق الشعار على الأرض؟ لماذا أصبح الطريق السهل هو إلقاء كل التبعة على المسؤولين الرسميين بدلاً من إعلان المشاركة فى المسؤولية والنزول إلى الشارع لتصحيح الوعى الفاسد والسلوكيات الخاطئة التى تؤثر على كل المجالات من حوادث الطرق إلى أزمة الكهرباء!
هل تقوم النخبة المثقفة بدورها فى بناء الوعى الثورى، أم تغرق فى النصوص المحفوظة، وتتوارى خلف النقد اللاذع للكبير والصغير، وكأن النقد هو حيلة، ولماذا لا يتخلى أعضاء طائفة المزايدين عمال على بطال بفضيلة الصمت؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة