يعد العميد الدكتور حسين حمودة دراسة علمية حول العلاقة بين أجيال الحروب وبين أجيال العنف فى الحركة الإسلامية المسلحة عبر التاريخ الحديث.. والتى خلص فيها إلى أن هناك أربعة أجيال من الحروب.. ونحن اليوم فى الجيل الرابع من الحروب الذى يقضى بتفكيك الدول من الداخل دون حاجة لمعارك عسكرية أو اقتحام أراضى الخصم.. وخلص فيها أيضاً إلى أننا اليوم نعيش فى مرحلة الجيل الثالث من أجيال العنف فى الحركة الإسلامية المسلحة وهو جيل «العنف الفردى».
وقد تناقشت معه كثيرا حول الأجيال الثلاثة التى تبنت العنف المسلح فى الحركة الإسلامية المعاصرة والفرق بين هذه الأجيال.. كل ذلك وصولاً إلى جيل العنف الفردى أو نموذج العنف الفردى المتستر بالدين الذى نمر به فى هذه الأيام فى مصر وغيرها.
وقد تفكرت فيما قاله الرجل فوجدته يصدر عن علم غزير وخبرة كبيرة ممتدة حيث تفرغ الرجل للعلم والبحث تاركاً المال والمنصب والشهرة فى بلد لا يهتم بالعلم.
ولعل سائلاً يتساءل: ما هى هذه الأجيال الإسلامية العنيفة أو المسلحة التى تتحدث عنها قبل أن ندلف إلى الجيل الفردى الذى نحن بصدده الآن.
وهذه الأجيال هى:
أولا: الجيل الأول من أجيال العنف المسلح «جيل الجماعات المسلحة»:
وهذا الجيل ظهر فى مصر بقوة فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى متمثلاً فى جماعتين كبيرتين هما الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصرية.. وهذا الجيل الذى ظهر فى السبعينيات متمثلاً فى الجماعتين كانت معركته محلية وليست دولية أو عالمية.. وكانت تهدف لإسقاط النظام المصرى لأنه لا يطبق الشريعة.. ويكون هذا الإسقاط بالفكرة الانقلابية المسلحة المصحوبة بالجهود الشعبية حيث سادت الفكرة الانقلابية هذه الفترة وغابت فكرة التغيير الديمقراطى.
وكان لهذا الجيل مشروع عقائدى وسياسى وفكرى مكتوب فى كتب محددة ويستند فى الأساس لهذه الفكرة الانقلابية العسكرية الشعبية والمسلحة.. ويستند لتأويل فقهى خاطىء أو مغلوط يبرر العنف المسلح لإزاحة النظام وإحلال نظام إسلامى.. وكانت الجماعتان تكفران الحاكم لأنه لا يحكم بما أنزل الله.. وتضيف جماعة الجهاد فوق ذلك تكفير بعض أركان النظام من الشرطة والجيش ونحوهما.
وهذا الجيل يعد جيلاً محلياً وقد يكون هناك شبيه لهذا الجيل فى الجزائر متمثلاً فى المجموعات الإسلامية المسلحة فى الجزائر.
وهذا الجيل فشل فى تحقيق أهدافه فى مصر والجزائر.. ولم يستطع إسقاط الأنظمة.. بل قد يكون أعطاها قبلة الحياة لفترة أطول من عمرها الحقيقى.. وأعطاها بعمله المسلح تعاطفاً من خصوم سياسيين لها ما كانوا ليساندوها لولا العمليات المسلحة لهذه الجماعات.
وهذا الجيل قام بمراجعات مهمة وشجاعة على مستوى الفكر والتنظيم فى مصر والجزائر.. وقام بحل التنظيم السرى المسلح له وتحول إلى السلمية والمشاركة السياسية.. وبعضه كون أحزاباً سياسية تشارك فى الحياة السياسية بطريقة أو بأخرى.. وتنبذ فكرتى العنف والانقلاب المسلح.. وتعتمد على التداول السلمى للسلطة عبر صندوق الانتخابات.
ثانيا: الجيل الثانى من الحركات الإسلامية المسلحة والعنيفة «جيل العنف المعولم أو الدولى»:
وهذه تختلف تماماً عن الأولى.. إذ أنها تمثل العنف المعولم أو العنف الذى يحمل طابعاً دولياً وليس محليا.. ويتمثل ذلك فى تنظيم القاعدة التى غيرت مفهوم العدو من مفهوم العدو القريب وهم الحكام الذين لا يحكمون بشرع الله إلى مفهوم العدو البعيد وهم أمريكا والغرب.
وقد بدأ هذا العنف المسلح بتكوين القاعدة ومجموعات أخرى لما يسمى «الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى» وهى أول تنظيم فى تاريخ العالم يقاتل على الجنسية.. وهو أول من ابتدع فى الفقه الإسلامى «بدعة القتل بالجنسية».. فقد حارب المسلمون الروم ولم يقل أحد من الفقهاء بقتل كل رومى.. وقاتلوا الفرس ولم يقل أحد بقتل كل فارسى.. وهكذا.
وقد بدأ هذا الجيل المعولم أو الدولى بانضمام د. أيمن الظواهرى ومن معه من تنظيم الجهاد المصرى إلى أسامة بن لادن والقاعدة 1998 بعد أن فرغ الإسلاميون فى أفغانستان من التحالف مع أمريكا والغرب.. وبدأوا فى عداوتها وحربها.. وكانت ذروة ذلك فى تفجيرات 11 سبتمبر التى انطلق تخطيطها وتنفيذها من أفغانستان وأدت إلى احتلالها.
وقد بدأت القاعدة فكره ما يسمى «العنف أو الإرهاب المعولم أو الدولى» فهناك القاعدة الأم فى أفغانستان وباكستان.. وهناك فروع لها أهمها الفرع الرئيسى الأول الذى أنشأته القاعدة الأم وهو «تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب» وهناك نماذج أخرى مختلفة فى سيناء بمصر أو داعش بالعراق وسوريا أو جبهة النصرة فى سوريا أو القاعدة فى بلاد المغرب العربى التى أنشأها الزرقاوى وغيره و... و...
وكل هذه الأفرع تعتبر أسامة بن لادن زعيماً روحياً لها.. وهناك خلاف حركى وتنظيمى وإدارى طفيف فيما بينها.. لكنها تتفق فكرياً مع أفكار التنظيم الأساسية ومعظمها لا يربطها بالتنظيم الأم أى روابط إدارية أو تنظيمية أو تسليحية.
ثالثاً: أما الجيل الثالث من العنف المسلح فهو «جيل العنف الفردى»:-
وهذا الجيل ظهر مع تفجيرات الحسين فى مصر عام 2005.. حيث قام مهندس يدعى بشندى بتفجير نفسه فى منطقة الحسين المكتظة بالسياح والأجانب.. ولم يكن مرتبطاً بجماعة كبيرة مثل جماعات السبعينيات.. ولكن أسرته كانت تشاركه الأمر وتساعده فيه.. فهو تنظيم أسرى.. ومنها تفجير بوسطن حيث قام شابان شقيقان من الشيشان بتفجير ماراثون رياضى بمتفجرات محلية الصنع.
وهذا الجيل الثالث من العنف المسلح يتميز بالآتى:
1 - ليس له أية روابط تنظيمية بجماعات كبيرة.
2 - يأخذ أفكاره وآراءه وأحيانا طرق التفجير من شبكة الإنترنت.
3 - لديه سطحية خطيرة فى الفكر والرأى والاعتقاد والمسائل الفقهية بعكس الجيل الأول الذى كان له فكر محدد يدرس ويعلم للأجيال جيلاً وراء جيل.
4 - يطلق البعض على العنف المسلح لهذا الجيل «بجهاد العملية الواحدة» وهى أشبه بمستشفى اليوم الواحد فى الطب.
5 - يسميه البعض جيل العنف الفردى والعشوائى.
6 - يلجأ إلى العنف ليس لقلب النظام أو تغييره ولكن لانسداد الأفق السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى وغياب الأمل من قلبه وفكره.. ولعدم وجود شيخ عاقل وحكيم وفقيه يرشده إلى الصواب.
7 - ليس له تاريخ ولا فكر ولا أسلوب محدد فى عملياته المسلحة.
8 - ليس له سجل قريب أو بعيد لدى أجهزة الدولة.. ولذا يصعب التعرف عليه أو توقع مشاركته أو القبض عليه إلا عن طريق الصدفة أو التلبس أو ما شابه ذلك.
9 - ليس لديهم رغبة فى صياغة مشروع فكرى أو عقائدى يوضح الهدف النهائى من أعمالهم المسلحة أو العنيفة.. وكأنه يقول: «أعمل العملية لأربك الحكومة أو أزعجها أو أطلع عينيها.. وهذا يكفى لإسعادى» حتى لو طلعت أعين البسطاء من عوام الناس.. فهو لا يهتم بذلك وقد يقول: يستحقوا.
10 - لا يحتملون البقاء فى تنظيم محكم أو جماعة منضبطة لها قيادة صارمة يسمع لها ويطاع.
11 - يمثل هذا الجيل الانتقال من مرحلة الفكر الجهادى العنيف والمسلح إلى عصر الفعل الجهادى المسلح العشوائى.
ومن أهم الأمثلة على هذا العنف الفردى:-
1 - مجموعة «مولوتوف» وهى تهدف لضرب الشرطة بالمولوتوف.
2 - مجموعة «ولع» وتهدف لإشعال النار فى سيارات الشرطة
3 - طالب الصيدلة الذى كان يصنع المتفجيرات فى بيته وانفجر بعضها لتعرضها للشمس
4 - خلية الرحاب والتى قتلت المقدم محمد مبروك.
5 - الشاب الذى كان يريد قتل خالد الذى يعمل لواءً بالشرطة
وهناك أمثلة كثيرة يضيق المقال عن بسطها.