تجدد الحديث عن علاقة «الإخوان» والتيارات الإرهابية مع بريطانيا، مع قرار الحكومة البريطانية بفتح ملف قيادات هذه الجماعات الموجودة على أراضيها، الموضوع متصل منذ سنوات طويلة، تقرأ تفاصيله فى كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» تأليف الصحفى البريطانى «مارك كورتيس» وهو كاتب ومستشار، وعمل زميلا باحثا فى المعهد الملكى للشؤون الدولية، وكتبت عنه منذ شهور وأعيد ما كتبته.
الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، يستند إلى الوثائق البريطانية التى رفعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات، وأعيد نشر ما كتبته.
يفضح الكتاب تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين، دولا وجماعات وأفرادا، فى أفغانستان وإيران والعراق وليبيا ودول البلقان وسوريا وإندونيسيا ومصر ونيجيريا، وغيرهم، ويؤكد على أن بريطانيا كان دورها محركا وموجها للقوى المتأسلمة فى تصديها للقومية والعلمانية، وخططت لاغتيال قادتها فى مصر وسوريا والعراق وإندونيسيا وخاصة جمال عبدالناصر وسوكارنو، ويكشف مساندة أمريكا لبريطانيا فى هذا الصدد، واعتراف الاثنين بأن قيادة عبدالناصر للقومية العربية، أجبرهما على مساندة نظم ظلامية ورجعية وضارة بسمعة مؤيديها.
يقول الكتاب: «ظهر فى الشرق الأوسط عدو رئيسى اتخذ شكل القومية العربية الرائجة بقيادة عبدالناصر فى مصر، التى سعت للنهوض بسياسة خارجية مستقلة، وإنهاء اعتماد دول الشرق الأوسط على الغرب، ولاحتواء هذا التهديد لم تساند بريطانيا والولايات المتحدة ملكيات وقيادات إقطاعية محافظة موالية للغرب فحسب، وإنما أقامت أيضا علاقات سرية مع قوى متأسلمة، خاصة الإخوان لزعزعة استقرار الحكومات ذات النزعة القومية والإطاحة بها».
يتحدث الكتاب عن تجنيد المخابرات الأمريكية لقادة المتأسلمين منهم سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولى للإخوان وتمويله بمبلغ 10 ملايين دولار وأجبروا الأردن على منحه جواز سفر، وتمويل الإخوان فى مصر ومساعدتهم فى سوريا، وتعاونت معهم هى وشركة أرامكو لتكوين خلايا منهم فى السعودية لمحاربة القومية العربية وجمال عبدالناصر.
يلفت الكتاب النظر إلى أن ما يسميهم بـ«الجماعات الجهادية والمجاهدين» وجدت ملاذا آمنا فى بريطانيا، وحصل البعض منهم على حق اللجوء السياسى، مع مواصلة الانخراط فى أعمال الإرهاب فى الخارج، ولذلك عرفت مدينة لندن بـ«لندستان»، ويقول المؤلف: «أن بعض العناصر على الأقل فى العاصمة البريطانية سمحت للجماعات المتأسلمة، بأن تعمل انطلاقا من لندن ليس لأنها فقط كانت تقدم معلومات لأجهزة الأمن، ولكن أيضا لأنها كانت مفيدة بالنسبة للسياسة الخارجية البريطانية، خاصة فى الحفاظ على شرق أوسط منقسم سياسيا».
يورد الكتاب العديد من الوقائع فى العلاقات السرية بين الإخوان ومسؤولين بريطانيين، بعد ثورة يوليو عام 1952، حيث اجتمعوا بحسن الهضيبى مرشد الجماعة، وتم ذلك من وراء ظهر جمال عبدالناصر، فى الفترة التى سبقت مفاوضات عبدالناصر مع الحكومة البريطانية لجلاء قواتها عن مصر، ويقول الكتاب، إن حكومة عبدالناصر اتهمت المسؤولين البريطانيين صراحة بأنهم يتآمرون مع الإخوان، واتهمت الهضيبى بأنه قبل شروطا معينة للجلاء البريطانى من مصر تغل أيدى مفاوضى الحكومة.
من الخمسينيات إلى الآن تستمر العلاقة، ويكشف الكتاب عن تطورها فى زمن نظام مبارك حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن، وعن هذا مقال آخر.