أؤمن دائما بمقولة أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى أبدا!! كما أنى أقتنى يقينى من تجارب الزمن وعبراته، لذا وجدتنى أمام سؤال مهم وجب الإجابة عليه الآن، وهو هل نحن نبنى الآن مؤسساتنا السياسية تحت ضغط؟ وهل هذا الضغط ــ إن وجد ــ يدفعنا للأحسن أم للأسوأ؟
وقد رأيت أن أطرح إجابتى على هذا السؤال وأناقشها معكم، لأنى أرى وقد يشاركنى الكثيرون أننا نبنى الآن مؤسساتنا السياسية ووثائقنا المهمة (الدستور) تحت ضغط داخلى كبير ينقسم إلى ثلاثة محاور، أولها يتمثل فى ضغط الحالة السياسية الداخلية ونماذج الإرهاب التى تدعم الإخوان وتشاركه مصالحة، ومؤشر الضغط الثانى حالة التنابز الاجتماعى الجديدة والغريبة على المجتمع المصرى والتى تتجسد مواجهته بين أولياء تيار الإسلام السياسى وما دونهم جميعا فى مواجهة اجتماعية هى الأعنف فى تاريخ مصر، أما علامة الضغط الثالثة وهى الحالة الدولية المعاكسة لاتجاه مصر السياسى أيضا، حيث يتبين للمرة الأولى منذ زمن ذلك الاحتشاد الأوروبى والأمريكى وقد يكون جزءا من الكتلة الآسيوية أيضا فى مواجهة صريحة مع السياسة الداخلية المصرية، تلك الضغوط الثلاثة السابقة قد تكون محاور أساسية تضع نفسها فى طريق بنائنا للحالة المصرية السياسية الجديدة بعد ثورتى يناير ويونيو، وقد أكرر نفس السؤال مرة أخرى، هل تستطيع الدولة بناء مؤسساتها السياسية لتتطابق مع طموح الثورتين وسط كل هذا الكم الهائل من الضغوط؟!
الإرهاب وموقف الإخوان وداعميهم الذين يعملون ضد خارطة الطريق التى أعلنت فى 3 يوليو ومحاولاتهم المستميتة لإضفاء حالة من السيولة على الشوارع وفى الجامعات وضغطهم لتمرير استمرار وجودهم السياسى أو حتى إضفاء وضع سياسى ملتبس يتفاوضون على أساسه فهو يربك المشهد بحق، لكن هل هذا يدفع مكونات (المستقبل السياسى لمصر) للتحالف مع رجال لجنة السياسات ونواب التزوير لتأسيس القادم بأيديهم، هل يدفعنا الخوف من الموت بالسم أن نطعن أنفسنا بخنجر؟! من المفهوم أن التنافس الانتخابى قد يتطلب تحالفات عدة، ولكن ما بات عصيا على الفهم التحالف مع قوى الماضى السياسى فقط دون الالتفات لصناع المستقبل بالإضافة إلى تضييق الأفق على إضفاء طابع تعددى فى خيوط بناء المستقبل، هل نقبل تحت الضغط أن نرى رموزا شاركت فى بناء نظام مبارك السلطوى والذى تحالف معه رجال أعمال بنوا ثرواتهم من الفساد (وهنا لا أعنى رجال الأعمال الشرفاء وهم كثر)؟، هل مطلوب من مصر أن ترتد للخلف بالكلية تحت ضغط حاضر نرفضه أيضا بالرغم من أن المستقبل الذى تريده مصر لا يختلف عليه اثنان؟، وهل فى طريقنا لبناء نظام حكم سياسى ديمقراطى مقبول أن نستخدم وجوها تنحنى للديكتاتورية؟، وهل تدفعنا بعض نماذج أخفقت فى التعبير عن المستقبل بحيادية وشرف أن نقبل بما هو محل ثورة الشعب فى يناير وفى أى ثورة قادم؟ة، هل تؤسس الحرية بيد مجموعات السجانين؟
قد أكون متخوفا وبحق أن نبنى أكبر مؤسسة سياسية فى مصر الآن بشراكة مع رجالات النظام السابق خاصة فى المحافظات والتى بنت نفوذها السياسى على استبداد الحزب الوطنى، وقد تكون تلك الإشارات السياسية السلبية هى ما تضع قطاعات من المواطنين الراغبين فى التغيير فى جانب ومشروع بناء النظام الجديد فى جانب آخر، إن النسق الفكرى الذى لابد أن يكون متخذا فى اعتباره رغبات التغيير والتحديث الجارفة، هو عماد التخطيط السديد للمستقبل، وقد أكون منصفا إذا ذكرت أن حالة التنابز الاجتماعى الموجودة الآن فى المجتمع لا ينقصها دق أسافين جديدة بين دعاة التغيير وباقى القوى التقليدية، لأن ذلك من سبيله تقويض فرص الحرية والاستقرار الذين يجب أن يتلازما بعد ثورتين.
هذا نداء أخير لمن يزمع أن يبنى نظاما سياسيا جديدا يرتكز على قوى التحديث والتوافق بين أبناء الشعب دون تضييق أو تفريط، فلقد فارق قطار الماضى محطة الوطن وعلينا تلبية رغبة الجماهير فى الاستقرار والحرية.