جاء فى الحديث «من عرف نفسه عرف ربه»، هذه حقيقة لا فكاك منها، لأنها تقرر أن من يحسن التفكير يحسن الوصول إلى النتائج السليمة، فالإنسان صاحب البصيرة إذا نظر إلى كيف يعمل ويتحرك جسده، وانبهر بحركة بدنه، وعمل عقله ونظر إلى نومه وصحوه، وهما رمز للموت والبعث، وتأمل الليل والنهار، والنور والظلام، أى البصر وعدمه، والعلم والجهل، ثم انطلق إلى العالم المحيط به من نبات وحيوان، وطير، وكيف ينسج الجميع مع البحار والحيوات السابحة فيه الحياة وجمالها، ودقة إبداعها، وخدمتها للإنسان، وانتظارها له أن يحسن استغلالها فى أبهى صوره.
وإذا خرج إلى دائرة أوسع وهى السماء والفضاء المحيط بالأرض التى هى عبارة عن كرة معلقة فى الفضاء اللا نهائى بمجراته وشهبه ونيازكه وأفلاكه لسجد عقله وقلبه وجسده لخالق هذا الكون، وشعر بالعزة لأنه عبد لرب هذا الوجود المبهر، وأنشد مسبحا بحمده، وناجاه طالبا عونه ورضاه، ومغفرته، إذا قصر فيما هو مطلوب منه «إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون».
ذلك الإنسان يدرك أن الله أعظم من تصورات إدراكه، ويدرك أن رغم ضعفه فإنه محاط بجمال لا نهاية له، وأن به سر حياة الكون «نفخت فيه من روحى»، لأنه خليفة الله فى الأرض، «إنى جاعل على الأرض خليفة». عرف نفسه وعرف موقعه فى هذا الكون، فعرف ربه وسجد له سبحانه وتعالى.
أما هناك من يسير فى الدنيا وهو أعمى لا يريد أن يعرف حقيقة نفسه، أو ماذا يريد منه ربه، ويسير حسب هواه، فيضل ويتخبط، وإذا لم يرحمه الله ويهديه الله وحده، يعلم كيف ستكون نهايته.