يقول الحديث الشريف «لا يلدغ مؤمن من حجر مرتين» ويؤكد القول المأثور على أنك «لن يستطيع أن تنزل النهر الواحد مرتين» فالنهر يتسم بالسريان الدائم كما أن الإنسان يتسم بالتطور الدائم، فحتى لو استطعت أن تنزل النهر الواحد مرتين فإن الماء سيكون قد تغير كما ستتغير أنت أيضا، لكن الشعب المصرى على ما يبدو له فلسفته الخاصة فى التعامل مع الجحور التى لدغ منها، وأنه ببساطة يستطيع أن ينزل النهر الواحد مرتين وثلاثة.
فى الانتخابات الماضية كان الكثيرون يقولون إنهم مقتنعون بحمدين صباحى ومع ذلك فإنهم لن يمنحونه أصواتهم لأن «فرصته ضعيفة» ثم ظللنا سنتين نبكى على «الوطن المسكوب» بعدما خضعنا لخداع تاريخى وضللنا باسم الدين مرة وباسم الثورة مرة، ولم ندرك أن انتخابات الرئاسة تختلف عن تشجيع فرق الكرة، وأننا إذا ما حكم عقولنا واتبعت قلوبنا وأخلصنا فى سعينا دون النظر إلى حسابات المكسب والخسارة فإن «المكسب» سيكون متحققا، وأن من فرصته الآن «ضعيفة» ستقوى إذا ما خلع الجميع رداء التردد، فلو كان عشر هؤلاء فقط منحوا حمدين أصواتهم لنعمت مصر بالاستقرار المنشود.
فى الانتخابات الماضية كانت العصبية هى الحاكمة، وآفتنا أننا لا نهاجم العصبية إلا إذا كانت من المعسكر الآخر، ولا ندرك أن العصيبة فى حد ذاتها «آفة» يجب أن نتخلص منها ونطبقها على أنفسنا قبل أن نطبقها على الآخرين، وآفتنا أيضا أننا نتعامل فى أكثر أمورنا حساسية ومصيرية على غرار تعاملنا مع تشجيع فرق كرة القدم، فأنا أتفهم أن يكون الشخص «أهلاويا» أو «زملكاويا» وأتفهم أيضا أن يظل الأهلاوى أهلاويا إلى أبد الدهر وأن يظل الزملكاوى زملكاويا إلى أبد الدهر، لأن كرة القدم لا تغير من مصير الوطن فى شىء، ولأنها قائمة فى الأساس على التعصب للفريق أيا كان مستواه، لكن لأن التعصب أصبح سمة غالبة على الشعب المصرى، صرنا نعتبر مغرمين بالتخندق فى معسكرات، لا يهمنا الوطن فى شىء إلا بقدر ما يهمنا أن يظل خندقنا ممتلئا بالمؤيدين.
نفس الأخطاء تتكرر ولكن بأشكال متغيرة، كان الإخوان يعتمدون على مبدأ التكفير لكل من يعارضهم، والآن بعض المصريين يعتبرون أن من يخالفهم فى الرأى عميلا أو خائنا، هى ذات الآلية إن اختلفت المسميات، وفى اعتقادى إن طريقة التعليم بالتجربة والخطأ هى أفضل الطرق، لكن ماذا نفعل وإن كنا نرتكب نفس الأخطاء بنفس الآليات ثم ننتظر نتائج مختلفة؟