نحتاج فى دراسة ما يسمى بـ«الإسلام السياسى» إلى عقول عظيمة مثل عالم الاجتماع الكبير الدكتور حافظ دياب، ونحتاج إلى مؤسسة مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد مجاهد، كى تقدم لنا إصدارات هامة للتنوير، كما فعلت بتقديمها سلسلة جديدة هى «المكتبة السياسية»، وكان أول كتاب لها هو «السلفيون والسياسة» للدكتور «حافظ دياب».
يتميز هذا الكتاب بأنه ينطلق من مفاهيم معرفية عن السلفية، والحدود الحركية لهم فى المنطقة العربية، حيث يقدم نماذج أربعة، هى الحركة الوهابية، والحالة المغربية، والمشروع المصرى السلفى، والسلفية الجهادية، ويرجع الكاتب تركيزه على هذه النماذج إلى أن السعودية هى موطن نشوء التيار السلفى فى التاريخ الحديث، والمغرب التى ارتبطت فيها السلفية بالقضية الوطنية منذ الاستقلال، ومصر التى ظهرت فيها الحركة السلفية ظهورا لافتا بولوجها معترك الحياة السياسية متخلية عن واحدة من قناعاتها الجوهرية باعتبار الاشتغال بالسياسة مفسدة. فى «المفاهيم المعرفية» يتحدث الدكتور حافظ عن أن الأمر فى النموذج السلفى أقرب ما يمكن أن نسميه بـ«السياسوية الإسلامية الكامنة أو المنتظرة»، وفى توضيح لمعنى هذا، يقول: «إن السلفية تعتزل السياسة ليس رفضا لها على الطريقة الصوفية، وإنما لأن اللحظة التاريخية لا تواتى نموذجها المنشود، أو لأنها ليست على استعداد لدفع كلفة وتنازلات الدخول فى السياسة»، وبهذا يمكن فهم حضور السياسة وممازجتها للقول السلفى، والذى يظل خلف الباب الموارب متنكرا فى أقنعة عدة. فى مواصلته لتوضيح المفاهيم المعرفية وامتزاجها بالجانب الحركى، يؤكد الدكتور حافظ دياب أنه من الصعب الحديث عن خطاب سياسى لدى الاتجاهات السلفية، غير أن الامتثالية السياسية لدى السلفيين، أى طاعة الأئمة وأولى الأمر، تشكل مبدأ ناظما لفعلهم السياسى، وأن طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، حيث لا يصح عزل الحاكم حتى إذا فسق، لما يترتب على ذلك من فتن وإراقة دماء وفساد ذات البين، وهو ما أدى بهم إلى اعتبار الانقلابات العسكرية بدعة عصرية، ويرى الدكتور حافظ، أن السياسة التى انصبت لديهم بالأساس على تدبير مشكلة السلطة، تم حلها عندهم بطاعة ولى الأمر، إذ تختصر السلفية فعلها السياسى فى هذا المبدأ.
يتناول الكتاب «المشروع السلفى المصرى»، مشيرا إلى بعد تاريخى قائلا إنه حتى وقت قريب لم يكن السلفيون فى مصر يعرفون بهذه التسمية «السلفية والسلفيون»، وإنما كانوا يسمون بـ«السنيين»، وترى بعض المصادر أنهم «السلفيون» وفدوا إلى مصر حديثا مع أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ونزحوا إليها عقب حملة «إبراهيم باشا» على نجد وإسقاطه مدينة «الدرعية»، وكان لهم فضل السبق فى نشر الدعوة السلفية، ومنهم من تولى مشيخة «رواق الحنابلة» فى الأزهر، حيث نفى بعضهم فى مصر برغبتهم. ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضى عملت هجرة العمالة المصرية إلى الخليج على اكتساب بعض الاستعارات الثقافية الإسلامية ذات الطابع الوهابى التى دعمت الاتجاه السلفى، وساعد عليه تدفق المعونات المالية من شركات الاستثمار والجمعيات الإسلامية الخليجية إلى تنظيماتها فى مصر.. وغدا نستكمل.