قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن عقب قيام الدكتورة درية شرف الدين بتلك الخطوة غير المحسوبة من جانبها، والتى تمثلت فى موافقتها على تعاقد التليفزيون المصرى مع قناة «mbc مصر» على التعاون فى المجالات البرامجية، والتدريب، والتنسيق الإعلامى والإعلانى، والسبب يرجع إلى أن الغالبية العظمى من الإعلاميين والخبراء والمهتمين بالشأن الإعلامى المصرى اعتبروا أن ما قامت به الوزيرة يعد تجاوزا صريحا فى حق الإعلام المصرى، وإهانة بالغة لريادة مصر فى هذا المجال، خاصة أنها لم تخرج علينا حتى الآن لتبرر ما قامت به، وتشرح أسباب هذا الاتفاق الذى تحيطه الشكوك والشبهات، فوضعت نفسها ووضعت التليفزيون المصرى فى ورطة بالغة السوء تتطلب تدخلا فوريا من رئيس مجلس الوزراء لإيجاد حل لها يتناسب مع مكانة مصر، وريادة الإعلام المصرى.
فلماذا فعلت الدكتورة درية شرف الدين هذه «الخطيئة» التى كانت فى غنى عنها وعن آثارها السلبية التى وضعتها داخل دائرة مرمى سهام النقد، بل والتجريح، خاصة أنها بهذا التصرف ضربت عرض الحائط بجميع الخطوط الحمراء التى تحكم مبنى «ماسبيرو»، والتى تحددها فى الأصل اعتبارات الأمن القومى المصرى لما يمثله الإعلام الرسمى من حائط صد حقيقى يستهدف الحفاظ على أمن مصر واستقرارها.
لقد أصابتنى حالة من الدهشة والحيرة فى آن واحد وأنا أتابع تلك القضية الحساسة، وما ترتب عنها من آثار سلبية، وما تلاها أيضا من ردود أفعال متباينة وغاضبة، فالدكتورة درية شرف الدين هى وزيرة فى حكومة المهندس إبراهيم محلب الذى لا يهدأ، ولا يكل، ولا يمل من الحركة الدؤوبة طوال اليوم من أجل تحقيق كل ما يمكن أن يعود بالنفع على المواطن المصرى فى شتى مجالات الحياة.
نعم، لقد شعرت- وبما لا يدع مجالا للشك- بأن المهندس إبراهيم محلب بحرصه على مصلحة الوطن فى جميع تصرفاته وقراراته الجريئة كأنه يعيش فى واد، بينما نرى وزيرة الإعلام فى حكومته تعيش فى واد آخر، بتصرفاتها وقراراتها «الطائشة» التى لم تراع فيها أبسط ما يتطلبه هذا المنصب من ضرورة الحفاظ على الهوية المصرية، وحماية الإعلام الرسمى للدولة الذى هو فى الأصل أحد الأعمدة الرئيسية لمسألة الأمن القومى المصرى.
لذا فإننى أتفق مع الغالبية العظمى من خبراء الإعلام، ورموز العمل الإعلامى الذين رأوا أن الدكتورة درية شرف الدين قد ارتكبت جُرما كبيرا فى حق الوطن بتجاهلها توجه الدولة ضد رجل الإعلام اللبنانى شويرى، وتعاقدها معه على حق الإعلان فى التليفزيون المصرى، وذلك من خلال طرق ملتوية، حيث قامت بإداخل «mbc مصر» كوسيط فى الشراكة، لتزيد من قوة الوكيل الإعلانى اللبنانى، وتزيد من شوكته فى مواجهة منافسيه بمصر فى مجال سوق الإعلان، دون أى فهم أو دراية أن القنوات الخاصة التى تحاربها، وتقف إلى جوار الوكيل الإعلانى اللبنانى ضدها، هى نفسها القنوات الفضائية التى ساندت ثورة 30 يونيو، ووقفت مع الشارع المصرى وتحركات القوات المسلحة فى وقت كانت فيه قنوات أخرى، مثل «mbc مصر» تفاخر بأنها تقف على الحياد، بينما كانت فى حقيقة الأمر تغازل القوى السياسية باستضافتها لأعضاء من جماعة الإخوان الإرهابية عبر برامجها، وبالطبع كان الهدف من ذلك هو إفساح المجال أمامهم ليبثوا من خلالها سمومهم، وأفكارهم المعادية للدولة.
وإن لم يكن ما فعلته الوزيرة بمثابة «جريمة» فى حق المجتمع، فما الفائدة إذن التى يمكن أن تعود على التليفزيون من وراء هذا التعاقد؟، فنحن بالفعل فى حاجة لعدة عوامل من أجل النهوض بالتليفزيون من جديد، أهمها تطوير المورد البشرى، وضخ الأموال، والاستعانة بعقول ناضجة، ولا أظن أن قناة «mbc مصر» التى ما تزال فى بداياتها تتمتع بهذه القدرة التى تجعل التليفزيون المصرى العريق يبرم اتفاقا معها.
ألم يكن من الأجدى للوزيرة أن تسعى للتعاون مع الكيانات المصرية الإعلامية الكبرى التى هى بالفعل قادرة على النهوض بالتليفزيون المصرى بعقول مصرية، وإمكانات تقنية مصرية، وخبرات تفوق بكثير خبرات من هم فى قناة «إم بى سى»؟، فحسب علمى أنه كان بالفعل قد تقدمت بعض الكيانات الإعلامية المصرية بطلب تعاون مع التليفزيون المصرى، لكن لم تقبل الوزيرة بهذا العرض، مما دفع بعض خبراء الإعلام إلى القول بأن الوزيرة ربما حرصت على توقيع العقد مع قناة عربية لتضمن لنفسها مكانا بعد تركها وزارة الإعلام، حيث بات خروجها من هذا المنصب وشيكا، وذلك بعد الانتهاء من تكوين المجلس الوطنى للإعلام الذى ينص عليه الدستور، ليكون بديلا لوزارة الإعلام التى أرى أن استمرارها حتى الآن تعد صارخ على الدستور الذى أقرته الملايين من الشعب المصرى.
وهناك مسألة غاية فى الأهمية والخطورة أيضا، تتمثل فى مكتبة التليفزيون التى تمثل خطا أحمر، وأمنا قوميا، حيث إنها مليئة بالتراث الذى ليس له مثيل فى أى مكان آخر، لذا أخشى أن تكون هذه المكتبة بما تحويه من كنوز إعلامية هدفا فيما بعد من جانب شركة «إبسوس» لممارسة هوايتها فى تدمير كل شىء جميل، فهناك جدل حول علاقة «mbc مصر» بشركة «إبسوس»، حيث كانت الشركة قد أصدرت تقريرا مؤخرا جعلت فيه القناة تحتل المركز الأول فى نسبة المشاهدة، وهو ما استندت إليه الوزيرة فى قبولها التعاقد مع «mbc مصر» باعتبارها القناة الأولى، ليبدو الأمر منطقيا، بينما الحقيقة تقول عكس ذلك بكثير.
وحينما أتحدث عن شركة «إبسوس» فإننى أتحدث عن كيان يسعى جاهدا لهدم ريادة مصر فى مجال الإعلام، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول علاقة الوزيرة درية شرف الدين بهذه الشركة، خاصة بعد نتيجة استطلاع «إبسوس» الأخير، والذى كان صادما للكثير من القنوات الفضائية المصرية، مما دفع كل القنوات المصرية الكبرى «أون تى فى، النهار، التحرير، القاهرة والناس، الحياة، سى بى سى» إلى اتخاذ موقف موحد، وهو إصدار بيان مشترك لإعلان عدم حيادية استطلاعات «إبسوس»، واعتمادها على معطيات مزيفة، وفى ظل هذا التحرك الموحد بين كل القنوات المصرية الخاصة، أصدرت وزيرة الإعلام بيانا صادما للجميع، تعلن فيه تنصلها من بيان القنوات الفضائية عن «إبسوس»، وجاء هذا التحرك من الوزيرة فى الوقت نفسه الذى كان مستشارها يحضر لقاء ممثلى القنوات الفضائية ضد «إبسوس»، بما يعكس التناقض التام فى مواقف الوزيرة فى هذه القضية الشائكة، فكلنا نعرف أن إمبراطور الإعلانات اللبنانى أنطوان شويرى، وابنه بيير شويرى امتلكا شركة اسمها «توهاما» التى بدورها امتلكت الفضائية المصرية، ولم يتركاها إلا ركاما، وصدر قرار بعدم دخوله مصر، ولكنه نجح مؤخرا فى العودة مرة أخرى من خلال هذه الاتفاقية المثيرة للتساؤلات التى تزداد يوما بعد الآخر، وأعتقد أنها ستظل تزداد وتزداد إلى أن يتدخل المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، لتصويب هذا الوضع الخاطئ والمستفز الذى يحمل فى طياته إهانة بالغة للإعلام المصرى الرسمى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة