فى شارع جانبى بضاحية مصر الجديدة لافتة محل تصوير مكتوب عليها «استوديو زكى» لن تُثير انتباهك لفرط تقادمها وتعاقب الفصول عليها، خاصة أنها مصنوعة من الخشب المحفور يدويًا، ولكنك لو كنت أحد سكان المنطقة فستعرف أنه محل إيزاك الشهير بزكى، المصور اليهودى الذى ورث المهنة والمحل عن أبيه، ومازال يستخدم كاميرات عتيقة، ويلتقط صورًا بالأبيض والأسود أو الألوان حيث يحمضها ويعالجها يدويًا، ومازال لديه زبائنه القدامى الذين لم ينصرفوا لاستوديهات التصوير الحديثة.
ويحتفظ زكى بمئات الصور التاريخية لشوارع مصر الجديدة، التقطها والده الذى عمل مصورا بفندق كان يرتاده أبناء الطبقة العليا، وأصبح مكانه الآن قصر الاتحادية الرئاسى، ولا يعرف كثيرون أن هذا القصر كان فندقًا باسم Grand Hotel وافتتحته الشركة الفرنسية أول ديسمبر 1910، وشهد الفندق الحربين العالميتين وتحول خلالهما لمستشفى ومحل إقامة كبار ضباط الاحتلال البريطانى.
وفى الستينيات استعمل القصر الذى صار مهجورا بعد تأميمه كمقر لعدة جهات حكومية، وفى يناير عام 1972 وخلال رئاسة السادات صار القصر مقرًا لما سُمى «اتحاد الجمهوريات العربية» الذى ضم آنذاك كلا من مصر وسوريا وليبيا، ومنذ ذاك الوقت عرف باسمه الحالى «قصر الاتحادية».
وفى استوديو التصوير الذى يفتح زكى أبوابه كل صباح لينظف الكاميرات العتيقة التى كان يستخدمها والده وصناديق النيجاتيف المكدسة بأفلام للسياسيين والكتاب ونجوم السينما القديمة إبان انتعاش التصوير الفوتوغرافى الذى برع فيه اليهود والأرمن مستهل القرن العشرين لكن عصر الأجهزة الرقمية طوى هذه الصفحة، ليبيع زكى صوره القديمة التى التقطها والده لزبائنه الهواة، وتضم مثلا وقائع حفل استقبال بمناسبة وضع مسودة دستور مصر عام 1923 الذى أنشأ البرلمان والأحزاب.
وحينما أحرق إرهابيو الإخوان مترو مصر الجديدة، الذى لم يتعرض لتخريب إجرامى منذ أيام البارون إمبان مؤسس ضاحية مصر الجديدة الذى دشّن هذا المرفق مع مساكن الموظفين، ليربط ما كان يسمى حينها بـ«صحراء هليوبوليس» بالقاهرة، التى كانت تنتهى حدودها بالعباسية، لهذا نجد كلية الشرطة ومقر وزارة الدفاع والكلية الفنية العسكرية مازالت هناك كان جسدى يقشعر لمشهد حرق «مترو هليوبوليس»، ورأيت الدموع تنساب من عيون عجائز الحى سواء كانوا سكانًا أو أصحاب محلات بمصر الجديدة، التى كانت ولم تزل نموذجًا للتنوع الرائع، فيسكنها مسلمون ومسيحيون وبقايا الجاليات الأجنبية الذين تمصّروا كاليونانيين والأرمن، حتى بقايا اليهود المصريين، فهناك معابد يهودية بمصر الجديدة، فضلاً على كنائسها القديمة وأشهرها «كنيسة البازيليك» التى أسسها «البارون إمبان»، وتضم رفاته، ويقال إنه حفر سردابًا بينها وبين قصره الشهير الشاهد على تلك الأيام الخوالى من تاريخ مصر عمومًا، والقاهرة خاصة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة