وقفت أنظر إلى المرآة..
فهالنى مشهد هذا الإنسان العجوز الذى انتصر اللون الأبيض على ليل سواد شعر رأسه، وارتجف بدنى وتألمت كل حواسى.
ولا أعرف إن كنت قد تحدثت إلى الشعر الأبيض أم تحدثت إلى نفسى أسألها: متى بدأ هذا الشيب يتسلل إلى رأسى دون استئذان؟ ومتى استقر به المقام واستراح إلى هذا الرأس المثقل بالهموم والشجن فانتشر هنا وهناك، كأنه سحابة أو غيمة تسير فوق جسدى أينما حللت أو رحلت؟!
أهى «بداية بيضاء».. للنذير الأسود؟
أهو الستار ينسدل ليعلن اقتراب نهاية «مسرحية حياتى»؟
إن كان ذلك فما أشقانى من مخلوق.. لم أكد أنعم بطفولتى، حتى وجدت هذا الطفل صبيًا يفتح بدهشة أبواب الدنيا المليئة بالعجائب والغرائب، وما هى إلا بضع سنوات حتى أصبح شابًا يسعى ويشقى فى عالم لا يعترف إلا بالكبار والأقوياء!
ثم ها هو الشعر الأبيض يعلن نهاية فصل الشباب الذى سرقه منى اللهاث المتواصل والجرى المتعب من أجل لقمة العيش، ويمنحنى الفرصة أخيرًا لأن أقدم طلبًا فى «نادى عجائز الحياة»!
ها هو لون «الوقار» يصبغنى رغمًا عنى، وينذرنى بأن ألوذ بالحكمة، وأن أهجر الطيش والتهور، ويقول لى إن وقت التحليق بعيدًا فى الفضاء قد انقضى، وجاء وقت الخطوات الثقيلة المتعبة المريضة.. تجرجرها أقدامى التى طال بها المسير.
ووالله.. يا شعرى الأبيض إنى لا أعرف إن كنت أحبك أم أكرهك!
هل أحبك لأنك رسول خلاصى من هذا العالم الملىء بالشرور والآثام، الحافل بالآلام والأسقام، عالم الغدر والخيانة والكذب والوحشية؟
أم أكرهك لأنك تطردنى من ركن براءة الطفولة، ودهشة الصبا، وحماقة الشباب؟
لا أحبك ولا أكرهك..
لكن..
ما أصعب أن تكدر أنفاس حزنى.. صفو صفحة المرآة!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة