هل نحن مقبلون على حياة حزبية نشيطة تستطيع أن تضخ فى الحياة البرلمانية وجوهاً جديدة؟
أثناء حكم مبارك كانت هناك قاعدة يتعامل بها المصريون دون عناء وهى، أن القائمة التى يطرحها الحزب الوطنى فى انتخابات البرلمان تعنى على الفور أنهم هم النواب القادمون، وكانت الخلفية التى تعزز تلك القاعدة، أن نتائج الانتخابات معروفة سلفا، لأن التزوير هو سيد الموقف، وكانت هناك استثناءات قليلة تخترق هذه القاعدة نتيجة عوامل قبلية أو شعبية حادة، وباستثناء انتخابات 2000 و2005 التى أشرف القضاء عليهما، مضت الانتخابات فى عهد مبارك وفقا لهذه القاعدة، ولهذا السبب بالإضافة إلى أسباب أخرى لم تكن هناك حياة حزبية سليمة، وسارت الحياة السياسية فى مصر على إيقاع ما يريده النظام الحاكم.
ضبطت أحزاب المعارضة الرئيسية نفسها على هذا الإيقاع، فكانت تحصل على «الفتات البرلمانى»، بتمثيل هزيل فى البرلمان يأتى بصفقات من تحت «الترابيزة» مع الحزب الوطنى، وكان أمينه العام الراحل كمال الشاذلى هو مهندس هذه الصفقات مع أحزاب المعارضة، وكانت تتم برضا الطرفين، لتصبح مجرد ديكور يستخدمه نظام مبارك للترويج بأن فى مصر معارضة، وتفرح الأحزاب بوجود نائب لها تحت القبة يتحدث باسمها، وبالغ الحزب الوطنى فى استعلائه واستبداده، فجاءت ثورة 25 يناير ضد هذا النهج، وضد كل من شارك فيه من معارضة وحكومة.
بعد ثورة 25 يناير دخل معظم نواب «الوطنى» جحورهم، وكان همهم هو البحث عن أمانهم الشخصى خوفا من المساءلة القانونية حول ما حصلوا عليه دون وجه حق من عمولات وصفقات، واحتمالات التورط فى قضايا فساد، وكان ذلك بمثابة ترك الأرض لغيرهم، وذهبت الآمال العريضة إلى الطموح فى أن يتولد من رحم قوى الثورة نوابها الذين يحملون شعلتها تحت قبة البرلمان، وكانت انتخابات برلمان 2012 هى أول اختبار عملى فى ذلك، لكن نتائجها لم تكن بقدر حيوية الثورة وزخمها فى الشارع، فالنواب الحقيقيون الذين حملوا مطالب الثورة برؤية جذرية إلى البرلمان كان عددهم قليلا.
وعلى صعيد الحياة الحزبية، تولدت أحزاب جديدة مثل: العدل، الكرامة، الدستور، التحالف الشعبى، التحالف الاشتراكى، النور، الوسط، مصر القوية، المؤتمر، غد الثورة، الحركة الوطنية، الحرية والعدالة، الأصالة، الحضارة، مصر الحرية، وغيرها من الأحزاب التى استفادت من مناخ الثورة الذى هيأ الفرصة لها، بعد سنوات من عمل لجنة الأحزاب التى اشتهرت أثناء حكم مبارك بأنها لجنة «غلق الأحزاب».
تعددت الأحزاب وتنوعت، غير أن التواجد الحقيقى فى الشارع، تفاوت بدرجات مختلفة، فبينما كان حزبا «الحرية والعدالة» و«النور» هما الأقوى لأسباب خاصة تتعلق بتداخل السياسة بالدين فى طرحهما، لم تكن باقى الأحزاب بنفس درجة زخمهما، وإن كانت هناك محاولات على طريق المستقبل من أحزاب، الدستور والكرامة والتحالف الشعبى، أما حزب المؤتمر فيقوم على أكتاف كوادر الحزب الوطنى «المنحل». وفى حدود الواقع الحالى يمكن القول بأن الحياة الحزبية، ما زالت على ضعفها رغم ثورة 25 يناير، وهى مرشحة للبقاء على هذا الوضع إن لم تستعد من الآن لطرح رؤية حزبية ملهمة بعد انتخابات الرئاسية.