صدر فى القاهرة ما أطلق عليه «بيان القاهرة»، والبيان يدعو فى أحد جوانبه - كما أشار الدكتور إبراهيم يسرى أحد موقعيه – إلى تحرير مصر من الدولة العميقة فيها، لتنطلق نحو الحفاظ على مبادئ وثورة 25 يناير، وأشار سيف عبدالفتاح إلى أن بيان القاهرة انطلق من الداخل ليكون من نفس المكان الذى انطلقت منه ثورة يناير، أى أنه أساس لنضال فى الداخل وليس من المنافى أو عبر شاشات التلفزة فى الخارج.. أشار موقعو البيان إلى أن حركة 6 إبريل جزء منه دون أن يوقع أحد من أعضائها أو ممثليها، كما قيل إن قوى ثورية وشبابية جرى التفاهم معها، لكنها لا تزال تتشاور مع هيئاتها، بالطبع البيان أشار إلى استرداد المسار الديمقراطى وقطع الطريق على قوى دولة مبارك من العودة إلى ما قبل ثورة 25 يناير، فى نفس الوقت تتردد معلومات عن أن القيادى الإخوانى عمرو دراج طرح مبادرة إخوانية على مسؤولين مصريين من أجل التوصل لحل للأزمة السياسية المعقدة بين الجماعة وبين الدولة، منها اعتذار إخوانى للشعب المصرى ووقف الملاحقات الأمنية والإفراج عن المعتقلين السياسيين والتوقف عن الحديث عن شرعية مرسى.
وكانت وثيقة بروكسل تحدثت عن مبادئ عشرة لاستعادة الديمقراطية وقيم ثورة 25 يناير دون أن تشير إلى عودة مرسى أو المؤسسات التى تأسست فى عهد الإخوان كالبرلمان ومجلس الشورى، من الواضح كما أشرت من قبل أن الوثيقة هى محاولة للخروج من أسر التحالف الوطنى لدعم الشرعية الذى يرى أن الصراع فى مصر هو صراع دينى ووجودى وأنه لا بد من إرهاق الدولة المصرية حتى تتهاوى وتسقط، وكان بيان الإخوان عن الدولة المصرية الذى أثار لغطا كبيرا وشرح فيه الإخوان أن منهجهم إصلاحى وأنهم لا يريدون إسقاط الدولة، ولكن إصلاح مؤسساتها الفاسدة والمترهلة والرخوة، وهو ما يعنى شعور الإخوان أن المضى قدما فى خط التحالف الوطنى لدعم الشرعية يمثل عبئا على الجماعة وانحرافا بها عن مناهجها الإصلاحية، ومن ثم فإن الإخوان يبحثون عن مخرج سياسى للأزمة التى يواجهونها، والتى يبدو أن تقديراتهم بشأنها لم تكن صحيحة.. بيان القاهرة فى تقديرى هو جسر بين الإخوان والدولة والنظام السياسى الجديد لمحاولة البحث عن صيغة سياسية ومخرج مناسب يعود بالجماعة إلى المشهد السياسى والاجتماعى بعيدا عن المواجهة المفتوحة غير المحكومة التى يمكن أن تقود شباب الجماعة وأبناءها نحو العنف، خاصة أن السفير إبراهيم يسرى يحمل رؤية مفادها إيجاد مخرج سياسى للأزمة بين الإخوان والدولة المصرية ونظامها السياسى.
هناك مأزق يواجهه التحالف الوطنى لدعم الشرعية الذى لم يعد إطارا مناسبا للنضال السياسى تحت لافتته، وهذا المأزق يحاول صناع وثيقة بروكسل وبيان القاهرة الخروج منه بتأسيس صيغة جديدة تكون أوسع من مجرد القوى والحركات الدينية، فتضم داخلها القوى الثورية، كما أن فلسفة الصيغة الجديدة تكون قائمة على فكرة الحوار مع الدولة وليس مواجهتها لأن المواجهة تخصم من الذين يقومون بها، كما أنها تعقد الأزمة ولا تسعى لحلها، وفى نفس الوقت فإن تكاليفها مضنية ولا يمكن الاستمرار فى تحمل دماء من يخوض هذه المواجهة من الشباب، تبدو الأمور فى مصر ماضية إلى الأمام وأن شرعية جديدة تتأسس وأن الشرعية القديمة يتم تجاوزها وأن الجماعة تجد نفسها فى مأزق تسعى لإيجاد مخرج منه للعودة للمشهد السياسى، وإذا كانت وثيقة بروكسل تخلت عن شرعية مرسى ومؤسساته فإن بيان القاهرة يسعى لإيجاد سبل للحل من الداخل هنا من القاهرة، وثيقة بروكسل فتحت الباب لإمكان الحديث عن التخلى عن شرعية مرسى ومؤسساته، وبيان القاهرة ماض فى نفس الطريق، ولكن من داخل القاهرة.