أنت لا تذكر متى تعرفت على الأستاذ سعد هجرس، ولكنك متأكد أنه صديقك القديم الهادئ الذى تهلل عندما تلتقيه، صوته المريح وحضنه الدافئ وابتسامته الطيبة جعلته صاحب سلطة طاغية، يشعرك وأنتما فى الزحام أنه مهتم بك وحدك، وفى لحظات الخطر الكثيرة يشعرك أنه خائف عليك وحدك، فى كل المظاهرات التى قامت ضد الاستبداد والتطبيع والتى تنشد العدالة أنت متأكد أنه سبقك إلى هناك، فى معارض الفن التشكيلى فى المسارح الكبيرة والصغيرة فى الأمسيات التى تتناول أعمالا أدبية لكتاب جدد، هو دارس الفلسفة اليسارى النقى الذى كان طوال الوقت مستعدا لمراجعة أفكاره، كان قليل الكلام ينصت أكثر مما يتحدث، وإذا تحدث سأل، نعرفه منذ منتصف الثمانينيات مع الأستاذ محمد عودة وفيليب جلاب وأحمد نبيل الهلالى وإبراهيم منصور وأحمد فؤاد نجم وغيرهم من العائلة التى استمدت نفوذها من الصدق والانحياز إلى الفقراء وقضايا الحريات.
كان مثل أحمد عبدالله رزة يبحث عن الشعر ويسعى إلى التعرف على كتابه، من القلائل فى الحياة السياسية الذين يعرفون قيمة الأدب والأدباء، الذين اختزلوه فى الرجل العاقل الذى يظهر فى الفضائيات فقط لا يعرفون قدره، لأن جذوره متشعبة على الأرض، هو صاحب رأى لن تخسره إذا اختلفت معه، لأنك تعرف سعد هجرس عز المعرفة، وتعرف أنه ليس «أرزاقيا» ولا ينتمى لأى أصولية فكرية، يوجد فنان بداخله لم تسمح له الظروف أن يرتجل بعيدا عن السياسة، ولم تسمح له الظروف أن يرى الدولة تهتم بعلاج مواطنيها ربع اهتمامها براحة المستثمرين.