اللقاء الوحيد مع سعد هجرس!

للأسف.. كنت أقل أبناء جيلى حظا، إذ لم ألتق أو أجلس إلى المرحوم الأستاذ سعد هجرس سوى مرة واحدة فقط، برغم أن الرجل كان حاضر الوجود فى الكثير من الندوات والأمسيات والسهرات السياسية والأدبية والفنية، لكنى كنت أعرف مواقفه وآراءه فى السياسة والناس، وأدرك انحيازاته واختياراته، فهو اليسارى نصير الفقراء عاشق للحرية.

فى يوم شتوى بديع التقيته فى الإسكندرية قبل سبع سنوات.. فى كافتيريا بسيطة قريبة من البحر.. ضمتنا جلسة مع الأستاذة الفاضلة فاطمة المعدول والصحفى الموهوب سيد محمود. جلسنا ما يزيد عن ساعتين.. نتحدث ونسمع. كان الرجل بسيطا كعشاء الفقراء.. لماحًا مثل فيلسوف حاذق.. خفيف الظل دون ابتذال مثل طفل مرح، وكان ينصت إلى آرائنا وحكاياتنا بوجه بشوش وقلب كبير وعقل متزن. وكانت تعليقاته وملاحظاته تثير إعجابنا برغم نقطة خلاف هنا أو هناك.

اللافت أنه كان بالغ الصدق حين قذف بنا الحديث عن الأستاذ هيكل وعبقريته وحضوره، إذ فاجأنا بأن قال إنه ذهب إلى الأستاذ فى مكتبه وطلب منه أن يبقى فى حضرته يومًا كاملا ليراه وهو يعمل وكيف يوزع مهامه ويقضى ساعات يومه؟

أذكر أننى سألته متفاجئاً.. هل حددت موعدًا مع الأستاذ قبل القيام بهذه المغامرة؟ نفى وقال بلهجته الأليفة إلى النفس: لا.. لقد طرقت باب مكتبه فى الثامنة صباحاً.. وقلت له جئت لأبقى وأعرف كيف تعمل؟

فى هذا اللقاء اليتيم.. تذكرت عمى يوسف عراق (1922/ 1998) الذى أوتى من الحصافة والذكاء الكثير والكثير، وكان عاملا نشطا ينتصر لأبناء طبقته ويدافع عنهم، كما كان طيب القلب واسع المعارف، كذلك كان الأستاذ سعد هجرس، فحين يتحدث تشعر أنك تعرفه منذ زمن، وأن هناك خيطا من محبة يربطه بك منذ القدم وأنه يتابع ما تكتب وتفعل ويشد على يديك إعجاباً وتقديراً.

خرجت من لقاء الإسكندرية وأنا أكثر تصميما على تعزيز علاقتى به والجلوس إليه لأعرف أكثر وآنس بحضوره، لكن زماننا شحيح، واللهاث اليومى بدد التصميم، ودخل الأستاذ سعد المستشفى، ولم أفكر فى زيارته حتى مات، فندمت! فليرحمه الله.