حتمية الخروج من الغرفة المظلمة تبدأ من الإعلام الذى يجب أن يفتح نوافذ المعرفة ويغلق أبوابا لا يأتى منها سوى الجهل والفتى وصناعة الأوهام وترويج التفاهات والكلام الذى ليس منه فائدة، ولابد أن يفتح الإعلام أبوابه على ما يحدث فى العالم ليس من قبيل الرفاهية ولا لزيادة المعلومات المهمة ولكن لأننا يجب أن نقدم التجارب المهمة فى التقدم، ليس فقط للشعب ولكن لكل من يتولى مواقع مسئولية، صغرت أو كبرت، ولكل صناع القرار بمختلف مستوياتهم، ولابد من تقديم التجارب المهمة فى السياسة والاقتصاد والتعليم وفى البناء الاجتماعى لابد أن يقوم الإعلام بنقل خبرات العالم لنا.
فى الماضى كان الناس يعبرون القارات والمحيطات للتعرف على ما يحدث فى الجانب الآخر من العالم، كما فعل محمد على فى إرسال البعثات أما الآن، ففى ظل سيادة التكنولوجيا وانفجار وسائل الاتصال فيمكننا نقل تجارب الآخرين بسهولة على الأقل فى مستوى المعرفة، وعندما نرى التجارب الناجحة للآخرين سوف تتم مقارنات طبيعية تدرك من خلالها الناس السيئ من الجيد وسيحدث تطابق يبدأ من المحاكاة وينتهى بإبداع النموذج الخاص لمصر، فعندما نرى شعوبا أكتر تقدما لها تجارب ممتازة فى البناء الاجتماعى كيف تعيش هذه الأمم وما هو نمط حياتها وهذا ينتقل بالتعلم وسيحدث فرز تلقائى بين ما يناسبنا ومالا يناسبنا، البعض يصرخ: إننا انفصلنا عن محيطنا العربى ومحيطنا الإقليمى والامتداد الإفريقى..إعلامنا يجب أن ينقل إلينا ما يدور فى هذه الدوائر الحيوية بالنسبة لنا وأهمها الدائرة الأقرب وهى الدائرة العربية على المستوى الاجتماعى والفكرى والاقتصادى والسياسى، فهذه الحياة حدثت فيها تغيرات فى غاية الأهمية على مدار العقود الثلاثة الماضية، فهناك كتلة عربية لا نعلم عنها شيئا وأكبر دليل على انقطاعنا فى مصر عما يدور فى المحيط العربى والإفريقى أننا لم نكن نهتم سوى بفرق كرة القدم ونفاجأ بارتفاع مستوى الفرق الإفريقية والعربية وارتفاع مستوى بطولات الدورى العربية دون أن ندرك أن ارتفاع مستوى أى نشاط فى أى دولة لا يكون شيئا مقطوع الصلة عما يجرى فيه من تطور فى مجالات متعددة. ولابد أن يقدم لنا الإعلام البيت العربى بكل ما فيه لأن مستقبل مصر والمنطقة فى بناء تحالف عربى حقيقى على مستوى الشعوب والحكومات.. تحالف يستوعب الأخطاء المريرة للتاريخ العربى المشترك وتجاوز أخطاء التحالفات السابقة وتنازعاتها التى سهلت الخلافات.. تحالف يستوعب الأخطار المحيطة والتى لا تكل ولا تمل من تنفيذ فكرة التقسيم العربى على أساس طائفى وعقائدى.
المعرفة بداية الطريق، المعرفة وقود الوعى وعندما ينمو الوعى وينضج ويكتمل ويصبح حجر الأساس للدول القوية المتقدمة والضمانة الأساسية لعدم انتكاسة الدول، بدون الوعى تبقى الدول على هامش العالم تتحكم فى مقدارتها دول أخرى بقانون التقدم والقوة. الإعلام لابد أن يكون قاطرة التقدم وصاحب الفعل الأول فى تحقيق نقلة نوعية للحياة وألا يستسلم للمزايدة أو يكون على مزاج الرأى العام. مهمة الإعلام فتح الآفاق والقيادة الجيدة أو فى العبور إلى التحضر.