هل حقا هناك هوس بالرئيس الأسبق حسنى مبارك، وحالة من الندم على خلعه من الحكم؟ وهل هناك تيار عريض من الناس الآن يعتبرون أن أيامه كانت أفضل مما نعيشه الآن من ارتباك وانفلات وترد اقتصادى وصعوبة فى الحصول على لقمة العيش؟ أم أن أنصاره ومريديه وجمعية الفلول وأغنياء زمن الفساد السبع نجوم هم الذين يرددون هذه النغمة النشاز؟ وهل يردد محاسيب مبارك وألاضيشه هذه النغمة النشاز حبا فى سواد عيون رئيس جثم على قلوبنا 30 سنة لمجرد أنه فتح لهم أبواب التربح على البحرى ومص دماء الغلابة دون حساب؟ أم أنهم لا يعنيهم مبارك ولا أهله ولا وضعه الصحى والاجتماعى بقدر ما يعنيهم الانتقام من ثورة 25 يناير التى أطاحت بامبراطوريات الكثير منهم، ويستعدون لاستئناف نشاطهم من جديد بجلد الشعب الثائر، والعودة إلى الأضواء والنهب من جديد؟
الثابت أن هناك من البسطاء الذين كانوا يقضون أيامهم باحثين عن لقمة عيش، فرصة عمل صغيرة، قوت يوم بيوم، أمان ظاهرى يتمثل فى الانحناء لبطش الشرطة وأمن الدولة واشتراطات دولة المخبرين والعسس، حتى يستمر الحال على ما هو عليه، حياة أشبه بالحياة لكنها أقرب إلى الموت ومستقبل رمادى باهت لا يبدو له أى أفق، أطفال فى العشوائيات، أمراض تنهش فى الأجساد، مصريون لأول مرة يأكلون من القمامة، وينامون دون عشاء، يهاجرون بحثا عن أى ملجأ بعد أن لفظهم بلدهم، حتى لو كان الموت هو الاحتمال الغالب، الموت فى عرض البحر فى مراكب الهجرة غير الشرعية المتهالكة، أو الموت برصاص حرس الحدود شرقا وغربا وجنوبا، المهم مغادرة البلاد التى ضاقت عليهم وانفتحت على البحرى للكبار الفاسدين بلا رحمة!
هؤلاء البسطاء الذين لم يعرفوا الحياة، والذين خرجوا فى ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو تعبوا من تأجيل الأحلام التى ثاروا من أجل تحقيقها وأنهكوا خلال ثلاث سنوات من الصدمات المتتالية، بعد أن سلموا البلد إلى ذئاب وذئاب وذئاب، ولم ينلهم سوى ضياع لقمة العيش والنوم الآمن فى مساكنهم البسيطة العشوائية، هؤلاء يترحم بعضهم على مبارك وأيامه لكنهم يرفضون عودتها لأن المياه لا تجرى فى النهر مرتين، ولأن الثورتين الكبيرتين اللتين هزتا المجتمع، غيرتا فى نفوس المصريين الكثير وأزالتا الخوف إلى غير رجعة.
أما جمعية المنتفعين من الفلول والفاسدين وأشباهم، فهؤلاء لن يتوقفوا عن ترديد نغمتهم النشاز وشراء الأوقات المدفوعة فى المحطات التليفزيونية والمساحات الإعلانية فى الصحف للتعبير عن جلدهم للشعب الثائر بطريقة غير مباشرة تبكى على لبن مبارك المسكوب رغم أن عصره كان عصر جوع، وأيامه خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه، كانت أيام رمادة على عموم المصريين.
المصريون الذين قد يترحمون على مبارك الآن ليسوا مهووسين بالرئيس الذى ثبت فساده فى ضمائرنا جميعا، وإنما يترحمون على فشل الأيام التى تلت الثورتين اللتين قمنا بهما، ولم يكن من بين الحكام من هو على قدر طموحات الشعب الثائر.
المصريون يا جمعية المنتفعين لا يترحمون على مبارك، ولا يرجون أيامه، ولم يعرفوا قيمة له كانوا يجهلونها، وإنما يبحثون عن ذواتهم وعن حصاد دمائهم التى سالت فى الثورة وعن تضحياتهم التى قدموها، وعن طموحاتهم المؤجلة التى لن يقبلوا بتأجيلها مرة أخرى.
هل يفهم الفلول ومن لف لفهم نفسية المصريين؟ ربما، لكنهم يراهنون على الخداع والكذب- كعادتهم- لتحقيق مكاسب من «دم الغلابة» وهو ما لن يسمح به الشعب الثائر مرة أخرى.