بعد أكثر من ثلاث سنوات على التنحى، لايزال الرئيس الأسبق حسنى مبارك حاضراً لدى قطاع من المواطنين، بعضهم أطلق على نفسه «آسفين ياريس» معتذرين عن الثورة، وهؤلاء يجدون تبريرات لمبارك ويطالبون بتكريمه بدلاً من محاكمته.
ومن تأمل هؤلاء الذين اعتادوا أن يحتفلوا بمبارك أو الذين احتفلوا بعيد ميلاده أمس الأول أمام المستشفى وأخرجوه من غرفته ليشير لهم، من الصعب اعتبارهم جميعا من العبيد، أو أنهم من المستفيدين من مبارك وحكمه، فليس من بينهم قيادات أو غيره، كما لايمكن اعتبارهم مدفوعين لهذا، فمبارك ليس لديه ما يقدمه لهم، غير إشارات من نافذة المستشفى.
وقد سبق وطرحنا أسئلة عن السبب الذى يجعل عدداً من ضحايا الفقر والمرض والفساد، يصرون على الدفاع عن مبارك ونظامه، ورد عدد منهم بأنهم وإن كانوا لاينكرون حجم الفساد والأخطاء إلا أنهم يطالبون بعدم تجاهل دور مبارك العسكرى، وأيضاً دوره كرئيس حكم فى فترة صعبة وحافظ على الاستقرار. لكن منطق هؤلاء يتجاهل كثيراً أن أخطاء مبارك وعدم تفاعله مع أجراس التحذير خلال عشر سنوات، كان عاملاً فيما تعانيه مصر، وأنه كان يمتلك فرصة لنقل مصر إلى الديمقراطية، لو التزم بمواجهة الفساد السياسى والاقتصادى، كما أنه مسؤول عن غياب العدالة واختلال الميزان الاجتماعى، وعدم السعى لخلق حياة سياسية قوية. بما فتح الباب للعشوائيات والفقر الذى ولد التطرف. كما أن مبارك عاد للصورة بعد مقارنة عهده بالتجربة السيئة لحكم الإخوان ومرسى، التى أعادت النظام بشكل أسوأ. حيث أحلت الجماعة مكان الحزب الوطنى، وأصرت على أن تحكم منفردة بلا شريك.
مبارك لايزال ماثلا، أو هو ماض مستمر، ولاشك أن أسطورته تظهر أكثر بعد رحيله، فقد أبدى تماسكاً فى مواجهة عواصف ضخمة، وثورة اقتلعت نظامه، كما أنه خضع لمحاكمة هو وأسرته وعاش ليرى نفسه خارج السلطة وكلها عواصف كانت كافية لاقتلاع أعصابه. لكنه بقى ليشهد مابدا أنه نبوءة قبل التنحى، عندما قال «أنا أو الفوضى».
مبارك ليس شخصاً كما قلنا كثيراً، بل هو طريقة تفكير، لايمكن لأحد أن يكررها كما كانت، ولعل تجربة مرسى خير مثال، وأى قادم جديد عليه أن يدرس تجربة مبارك، ليعلم أن الشعب المصرى ليس سهلاً حتى لو بدا كذلك.
وعودة إلى أنصاره والمحتفلين بعيد ميلاده، ربما عليهم أن يسألوه: عما يفكر فيه اليوم، مع العلم أن الماضى لا يعود.