المعركة الانتخابية تشتعل، ولن تكون عادية كما تصور البعض فى البداية. صارت جادة أو يغلب عليها الجد. وحياد الدولة وإعلامها يمكن أن يجعلها معركة حقيقية. استمعت إلى حديث المشير عبدالفتاح السيسى مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدى. فى اليوم الأول وقفت عند جملة جميلة للسيد المشير، هى قوله إننا أسأنا لصورة ربنا عند الناس، وهو يتكلم عما فعله الإخوان المسلمون. جملة لخص بها أمر الإخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الإرهاب باسم الدين. وكان حديثه الشخصى عن حياته أمرا طيبا ولا تعليق لى عليه طبعا، غير أنه قدم له صورة طيبة عند من لا يعرفه. لكنى اندهشت من انفعاله حين ذكر إبراهيم عيسى كلمة عسكر. وهى كلمة لم تقل أبدا عن الجيش المصرى، ولكنها قيلت حين تسلم المجلس العسكرى الأول زمام الحكم بعد مبارك، وبعد عام كامل تقريبا. بالضبط بعد ماجرى فى محمد محمود ثم كورنيش النيل أمام التليفزيون، ثم قصر العينى، ثم ما ظهر للشباب من أن هناك اتفاقا ما بين المجلس العسكرى السابق وجماعة الإخوان المسلمين على الثورة. قيلت الكلمة فى الشعار الشهير «يسقط حكم العسكر» بالمعنى السياسى، ولا علاقة لها بالجيش نفسه من قريب أو بعيد. بل على العكس كانت النداءات الأولى للثورة «واحد اتنين الجيش المصرى فين» ملاذا بالجيش، ومساء 28 يناير كان النداء العظيم «الجيش والشعب إيد واحدة»، حين حدث التحول الذى أشرت إليه، ظهر الشعار ضد حكم العسكر ويظل الشعار ضد حكم العسكر وليس ضد الجيش المصرى.
والحكم العسكرى يمكن أن يصنعه رئيس مدنى أيضا، لأنه فى النهاية هو الحكم الديكتاتورى، كما أن الحكم المدنى يمكن أن يصنعه رئيس أصله عسكرى مثل ايزنهاور وشارل ديجول فى مجتمعات ديمقراطية بالأساس. وكل ذلك لا علاقة له بالجيش من قريب أو بعيد، مادام بعيدا عن السياسة متفرغا لمهامه الوطنية، وليس حاكما أو مشاركا فى الحكم. كنت أتصور أن أحدا من المحاورين سيشرح ذلك، لكن انفعال السيد المشير ربما كان وراء صمتهما. بل كان ولايزال أحد أسباب كره الناس لجماعة الإخوان المسلمين هو محاولتهم إضعاف الجيش المصرى، بما فعلوه من تعاون مع العناصر الإرهابية، بدءا من إطلاق سراحهم إلى تركهم يجلبون السلاح إن لم يكن مدهم به. هذه واحدة.
الثانية، كانت أيضا فى موقف السيد المشير من قانون التظاهر. كنت أتوقع أيضا من أحد المحاورين أن يشرح للسيد المشير، أنه لا أحد يعترض على قانون للتظاهر، إذا لم يكن القانون العادى يكفى، لكن الاعتراض هو على مواد القانون التى تجعله قانونا يمنع التظاهر، ابتداء من موافقة وزارة الداخلية إلى ما يجب تقديمه فى الإخطار من تفاصيل، تصل إلى حد ذكر الشعارات التى ستقال، وهى طبعا بنت الظروف، وقد تتغير فى الطريق لأسباب كثيرة أكثرها انفعالى.
فى اليوم الثانى كان الحديث أكثر عن البرنامج. كلام كثير قيل فى اليوم الثانى وجميل، لكن المشكلة أن البرنامج ينظر إلى المستقبل دون محاولة لإنهاء جروح الحاضر. الكلام كله فى البرنامج كان تقريبا عن الاقتصاد. وضح أن هناك خطة طويلة المدى، وهى توسيع نطاق المحافظات ومد التنمية لتشمل كل بقاع مصر، وهو أمر يستغرق على الأقل عشر سنوات. بالنسبة لى أمر طيب وطموح. لكن على المدى القريب لا شىء يمكن أن تمسك به فى يدك غير سيارات تنقل البضائع بأسعار رخيصة إلى الناس إذا لم يستجب التجار إلى خفض الأسعار.
لم نسمع شيئا عن خفض الحد الأعلى للأجور، ولا رفع الحد الأدنى للأجور، ولا عن إهدار الأموال فى وظائف لامعنى لها مثل المستشارين فى المؤسسات الذين هم بالآلاف، ولا عن أموال الصناديق الخاصة، ولا عن فاتورة الدعم التى تصل إلى المصانع والمشروعات التى يملكها رجال الأعمال أو حتى الدولة، ولا عدد سفاراتنا فى الخارج الذى تقريبا يصل إلى عدد سفارات الولايات المتحدة، إن لم يكن يزيد، ولا عن قانون تحصين عقود الدولة مع المستثمرين على بيع ممتلكات الدولة التى هى ممتلكات الشعب وأثره الرجعى الذى سيعفى كل من نهب شيئا فى العصور السابقة من السؤال، لأنه فى الأصل متعاقد على ما فعل، سواء اشترى أرضا وتاجر فيها أو مصنعا برخص التراب وهكذا.
أقول لم يسأله أحد لا أعرف لماذا، وهذا وغيره كثير هو الذى يهم الناس العاديين الآن، وهو مصدر للدخل يكفينا شيئا من العوز لغيرنا. بل حين سأله إبراهيم عيسى عن المظاهرات الفئوية انفعل السيد المشير وقال ما فيش ما فيش، وطلب من الناس التعاون. وهكذا بدا أنه لاشىء من الأخطاء الاقتصادية التى جرت وتجرى سينتهى فى مصر. طبعا كان حديث السيد المشير سياسيا فى مسائل خاصة بالدول العربية والأفريقية والأوروبية وغيرها حديثا دبلوماسيا طيبا وذكيا. لكن يظل الأمر بالنسبة لى هو ماذا سيستفيد الناس من البرنامج على المدى القريب. لم أجد شيئا للأسف وإصرار السيد المشير على أن مصر فى أزمة أمر حقيقى، لكن أسباب هذه الأزمة هى من استفادوا ويستفيدون من الأوضاع الاقتصادية، الذين لايرغب برنامجه كما سمعته أن يجرحهم، أو بمعنى أدق لم توجه له الأسئلة فى هذا لا أدرى لماذا!
على الجانب الآخر حوار السيد حمدين صباحى فيه كثير من العناية بهذه الأمور التى تبدو صغيرة، وهى كبيرة فى الحقيقة وفى البرنامج كلام واضح عن رفع الدعم أولا عن الشركات، والمشروعات الخاصة، وهو مطلب هام وعن تنمية الصعيد والتشجيع عليها بخفض الضرائب على المشروعات هناك، واتفاق مع برنامج المشير، بأنه لا عودة للإخوان وفقا للدستور الذى يمنع الأحزاب الدينية، وتفاصيل أكثر دقة فى مسألة التعليم وغيرها. ويتفق معه فى تقدير آمال الشعب الفلسطينى، رغم ما فعلته حماس. وتقديره للدول العربية وشعوبها وللدول الأفريقية وشعوبها. وهكذا أخذ السباق إلى الرئاسة شكلا أكثر سخونة. وربما يتسبب هذا السجال فى انخفاض الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات. أو أتمنى ذلك. وطبعا التعليقات على كلا البرنامجين لا تنتهى على صفحات الإنترنت، لكن من ألطف التعليقات تعليق يقول، لماذا لا يعطى الأستاذ حمدين صباحى برنامجه للسيد المشير وتنتهى القصة؟. فهل تلتفت حملة المشير إلى هذا التعليق؟ طبعا الوقت لايزال أمامنا والمعركة تزداد اشتعالا، رغم كل مايقال عن شعبية المشير الأكبر، وما يقوله حمدين صباحى من برنامجه يترسخ فى أذهان الناس يوما بعد يوم. ويبدو لأول مرة أننا أمام معركة حقيقية، رغم ماقيل فى البداية من أنها تمثيلية.