لأول مرة فى التاريخ كان تليفزيون الدولة الأكثر مهنية والأقل تحيزا فى تغطية السباق الرئاسى، بينما تورطت القنوات الخاصة فى أخطاء مهنية وتحيزات مقصودة، والجديد أن معظم هذه الأخطاء والتحيزات ارتكبها مقدمو برامج وليس الضيوف أو فريق الإعداد، وهذا لا ينفى طبعا تحيزات الكاميرا والإعداد، ميديا رجال الأعمال ابتكرت ظاهرة المذيع الخطيب والمصلح الاجتماعى وللأسف استمرت وتضخمت هذه الظاهرة أثناء السباق الرئاسى.. حيث يتحدث المذيع أكثر من ضيوفه، وينظر ويفتى فى كل شىء وأى شىء.. ويعلن آراءه ومواقفه السياسية والشخصية.. المهم أن يتكلم.. ويتكلم.. وتتابعه الكاميرا.. ويحتل وجهه الشاشة.. وهذه الظاهرة غير معروفة فى كتب الإعلام أو ممارسات الإعلام فى أوروبا والدول المتقدمة أى أننا سبقنا دول العالم فى هذا المضمار.
أما السبق أو الابتكار الثانى فى إعلام الانتخابات الرئاسية فهو أن الإعلام لا يكذب من أجل تضليل الرأى العام أو تزييف وعى الناس وإنما يكذب حتى يصدق نفسه، وهى قاعدة قديمة ومعروفة فى أوروبا والدول المتقدمة وغير المتقدمة، وكان جوبلز يمارسها بنجاح لكنه فشل لأن الوقائع على الأرض وهزيمة جيوش هتلر لم تمكنه من مواصلة الكذب الصريح، لكن الحمد لله لم تكن لدينا فى الانتخابات الرئاسية معركة بمعنى الكلمة الحقيقى أو المجازى، فالسباق حسم قبل عدة أشهر، ومضمار السباق كان يوحى بفوز أحد المتنافسين.
كذب إعلامنا عندما أكد أن أكثر من ثلاثين مليونا سيخرجون إلى صناديق الانتخابات فى أكبر مشاركة عالمية فى الانتخابات، وأنهم سيبهرون العالم كما أبهروه فى 30 يونيو، «لم تجر الإشارة إلى 25 يناير»، التى خرج فيها ثلاثون مليونا، وبالتالى سيخرج هؤلاء من جديد، وربما يتجاوز العدد ثلاثين مليونا، وتحدث بعض المذيعين عن مشاركة لن تقل عن أربعين مليونا! وهكذا رفع جهابذة الإعلام سقف التوقعات لدى الناس ولدى صناع القرار ولدى أنفسهم، وعندما بدأت الانتخابات لم تسجل الكاميرات الزحام أو المشاركة العددية المتوقعة بحسب أكاذيب وتوقعات الإعلام، فارتبك الإعلام وصرخ جهابذة الإعلام فى الجمهور وتطاول بعض مقدمى البرامج على الناخبين، وتساءلوا أين الناخبون؟ بالرغم من أن اللجان كانت تعمل والإقبال يتزايد فى المساء عندما يتحسن المناخ، كما أن كاميرات الإعلام لا تغطى كل اللجان فى ربوع الوطن.
المهم أن الإعلام الذى كذب عندما توقع مشاركة ثلاثين مليونا صدق أنه لابد أن يشارك هذا العدد وإلا فستكون النتيجة غير مرضية أمام العالم، «هناك تركيز مرضٍ، وتابع لرأى العالم الخارجى فى الانتخابات»، وصدق الإعلام أكاذيبه مرة ثانية عندما قال إن الإقبال ضعيف، وبالتالى خلق حالة من الهلع والارتباك انتقلت للحكومة وللجنة الانتخابات، فقرر محلب فجأة وبدون مقدمات منح العاملين فى الدولة إجازة للتصويت، وقررت لجنة الانتخابات من طرف واحد، ومن دون تشاور مع حملتى السيسى وحمدين، تمديد الانتخابات ليوم ثالث ما أحدث لغطا وارتباكا كبيرا، وهو قرار لم يكن له تأثير كبير وكانت فوائده أقل بكثير من آثاره وتداعياته السلبية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.عبد الرحيم حسان
فعلا الاعلام سر ازمتنا