- إن المسلمين يعتقدون أن تطبيق نصوص الوحى المتعلقة بالحياة الدنيوية من شأنه أن يقود نحو النهضة بصورة مؤكدة ومستمرة، وأن تلك النصوص تمثل الحل لكل المشكلات الدنيوية، وتمثل خارطة طريق لتحقيق السعادة والراحة والاطمئنان فى كل زمان ومكان، وهذا الاعتقاد هو ما أدى إلى ظهور شعار: (الإسلام هو الحل) الذى استخدمته بعض الجماعات للابتزاز السياسى المعتمد على مكانة ومنزلة الدين فى قلوب الشعوب، فهذه الجماعات الضالة رأت ما يعانيه العالم الإسلامى والعربى من تخلف وتأخر فى شتى مجالات الحياة وتراكم ورسوخ الأسباب التى أدت إلى هذا التراجع، ومن أهمها الفساد السياسى وحيرة الشباب العربى وبحثه المستمر عن وسيلة للخروج من دائرة التخلف، فأخرجت له هذا الشعار ورسخت فهمه بمعناه الظاهر البسيط، أن مجرد تطبيق نصوص الوحى المتعلقة بالأمور الدنيوية كما هى كفيل بإخراج العالم العربى والإسلامى مما يعانيه من تخلف وتراجع، وفى الحقيقة أن أولى الحقائق المعرفية التى يجب تغييرها فى الفكر والثقافة الإسلامية حتى يعالج الكثير مما يعانيه من تخلف وتأخر هى: (أنه لا صحة لهذه الاعتقادات إلا بصورة جزئية أو نسبية).
- إن نصوص الوحى المتعلقة بالحياة الدنيوية تقدم ما يدفع نحو النهوض وتحسين الأوضاع البشرية، إلا أن ذلك لا يحدث بصورة مؤكدة إلا خلال الفترة الزمنية التى تفصل بين مرحلة نزول تلك النصوص وتغير ظروف وأحوال الزمان والمكان، بمعنى أن فاعلية فهم نصوص الوحى الدنيوية فى مكان وزمان نزوله فى تغيير حياة البشرية وتحقيق النهوض مؤكدة، أما بعد تغير ظروف الزمان والمكان عن ظروف زمان ومكان نزول الوحى، فإن فاعلية نصوص الوحى فى إحداث النهوض لحياة البشرية واستمراره يتوقف على تجديد فهم نصوص الوحى بصورة تسمح بحسن التعاطى مع الظروف والأحوال المستجدة، وحين لا يحدث ذلك التجديد للفهم فإن درجة فاعلية نصوص الوحى الدنيوية فى تحقيق التغيير الإيجابى والنهوض للبشرية تتضاءل، وقد تنعدم بل وقد تصبح عقبة للنهوض، وعندها تنتقل الفاعلية المحققة للنهوض من دائرة نصوص الوحى إلى دائرة الجهد البشرى وبالتالى فإن ثانى الحقائق المعرفية التى يجب تغييرها فى الفكر والثقافة الإسلامية هى: أنه فيما عدا دفعة النهوض الأول المرتبطة بنزول الوحى لمكان وزمان نزوله، (فإن أوضاع النهوض والتخلف خاضعة لأمرين، تجديد الفهم لنصوص الوحى والجهد البشرى المرتبط بالعلوم الدنيوية، فإذا لم يكن هناك تجديد لفهم الوحى فإن النهوض والتخلف يرتبط بأمر واحد وهو الجهد البشرى).
ولعل هذه الحقيقة تجيب على إشكالية فكرية يعانيها الشباب العربى وخاصة المسلم والمتدين منهم وهى: كيف ونحن ننتسب إلى الدين المشتمل على رسالة دنيوية كاملة نعانى هذا التخلف والتراجع فى كل المجالات، فى حين أن المجتمع الغربى وهو فى غالبيته خارج عن الدين أو عن معظم معطياته الأساسية قد حقق تطورا دنيويا مذهلا، وأنه مستمر فى النهوض بوتيرة هادئة حيناً وعبر ما يشبه الطفرات فى أحيان كثيرة؟
- هناك بوابتان للنهوض أو التخلف وهما: بوابة السياسة وبوابة العلوم الدنيوية، وإن الدفع باتجاه هاتين البوابتين بصورة صحيحة ليتحقق النهوض يتم عن طريق أمرين الأول: تجديد فهم الوحى بما يظهر مضامين جديدة تدفع نحو الإصلاح السياسى والاجتهاد فى العلوم الدنيوية، والثانى: التطور البشرى الناتج عن التفاعل مع الدنيا وعلومها وما ينشأ عن ذلك من تطوير علاقة الإنسان بعالم السياسة وعالم العلوم الدنيوية بما يحقق النهوض وبصورة مستمرة، وبالتالى فإن بعض المجتمعات التى حققت نهوضا دنيويا على الرغم من خروجها عن الدين وبالتالى فقدت الدفع الذى يحدوثه تطوير فهم الدين باتجاه أسباب النهوض قد اعتمدت فى نهضتها على الأمر الثانى، وهو الاجتهاد فى التطور البشرى الناتج عن التفاعل مع الدنيا وعلومها، وفى نفس الوقت فإن العالم العربى خاصة المتدين منه بعدم تطويره لفهم الوحى وبعدم اجتهاده فى تحقيق التطور البشرى المعتمد على التفاعل مع الدنيا وعلومها، خسر كل الأسباب التى تدفع إلى النهوض، وأصبح متأخرا فى جميع مجالات الحياة، وأن الجماعات الدينية التى ظهرت للمتاجرة بشعار: الإسلام هو الحل، قامت بترسيخ الفهم السطحى لهذا الشعار وقطع الطريق على أى محاولة لتوضيح الوهم الذى ينطوى عليه، واعتبار أى محاولة لشرح ذلك هى محاربة للدين وتعبيرا عن نقص الإيمان، لأنها تعلم أن الفهم الحقيقى لهذا الشعار سوف يفضح حقيقتها عند الشعوب ويسلبها أهم أدواتها فى الخداع والابتزاز السياسى.
- وفى الحقيقة، أن أخطر ما نتج عن الفهم السطحى لشعار: الإسلام هو الحل والمتاجرة به لمجرد تحقيق مكاسب سياسية، هو أن نسبة كبيرة من الشباب العربى وخاصة المتدين منه أصبح لديه شك فى الفكرة الدينية برمتها، فهو يرى فى ظل الفهم السطحى لهذا الشعار والمتاجرة به أنه متدين ومتمسك بالدين، وعلى الرغم من ذلك ونتيجة لفهمه الخاطئ للدين هو فاشل وينتمى لمجتمعات فاشلة، وإن كانت تنطوى على الكثير من المظاهر الدينية فيستنتج من ذلك أن الدين قد وعد بأمور ولم يحققها، وقد قرأت تقريرا يتكلم عن الإلحاد فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 وما صاحبها من صعود للجماعات التى رفعت شعار: الإسلام هو الحل وكانت المفاجأة أن صعود هذه الجماعات وما ظهر من سلوكياتها وضعف وفشل معظم القيادات التى تنتمى لها وعدم تحقيقها لأى شكل من أشكال أو صور النهوض، نتج عنه أن عدد الملحدين قد زاد فى مصر بنسبة كبيرة بين الشباب المسلم وبعض الأبحاث ورد فيها أن ما يقرب من مليون شاب أو أكثر كفروا بفكرة الدين والتدين.
- وبالتالى فإن المتاجرة بالشعارات الدينية والترويج السطحى لفهمها لا يقف فقط عقبة فى طريق النهوض، وإنما هو يؤدى إلى الكفر بالأديان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم عربي مصري قاهري
الاسلام غاية و وسيله للحل
الاسلام دين و ليس ديانة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم ذكى
الاسلام الحالى هو المشكلة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم ذكى
طاقة نور
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود عبد الظاهر
مقال اكثر من رائع تسلم ايديك يادكتور محمد