لم تعد جريمة التحرش أمرا فرديا، بل ظاهرة، خاصة التحرش الجماعى، الذى تجاوز الحدود، ويحتاج إلى مواجهة شاملة، مثل الإرهاب والتخريب، وقطع الطرقات، وتجارة المخدرات والبلطجة والترويع. بل هى جريمة تجمع كل هذه الصفات، وتتفوق عليها، وتمثل تهديدا للأمن الاجتماعى. ولهذا شغلت الرئيس وأصدر تعليماته بمواجهتها.
مع العلم بأن حادث التحرش الجماعى فى التحرير مساء الأحد، لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير فى سلسلة ظاهرة بدأت قبل عشر سنوات، واتسعت بشكل كبير طوال هذه الفترة. ظاهرة موجودة من سنوات بعيدة، وليست مجرد ظاهرة إعلامية. لكن نلاحظ أنها تتحول إلى نقاش واسع موسمى مع كل حدث سرعان ما تخبو. كما أنها تصبح موضوعا لمدونات وبوستات على فيس بوك. أو تغريدات، تحمل الصراخ والاتهامات للسلطة والمجتمع. وسرعان ما تنتهى صلاحيتها. لتدخل فى الصمت.
بينما يفترض أن تكون أحد انشغالات المجتمع للبحث عن أسبابها ومواجهتها، بالقانون وأيضا بمواجهة اجتماعية شاملة، لأن التحرش يكاد يدخل ضمن الكوارث الكبرى كالإدمان، وقطع الطرقات والجريمة المنظمة. ويضاف إلى التحرش أنه جريمة تترك فى ضحاياها من النساء ألما نفسيا ضخما، وبعض الضحايا لا يعترفن بالأمر خوفا من الفضيحة. وهو ما يضاعف التأثير.
وأخطر ما يمكن أن يواجه هذه الظاهرة هو محاولة تسييسها أو تحويلها إلى جزء من السجال السياسى الدائر، والانتقام، لقد سارع عدد من أعداء السيسى إلى تحويلها إلى أن من يقومون بالتحرش إنما هم من نزلوا للاحتفال بالرئيس وتوليه السلطة، ومن جانب آخر هناك من حاول إلصاقها بالإخوان، والقول بأنهم يخططون لإفساد الاحتفال والإساءة للميدان. وسواء هؤلاء أو أولئك، يقودون الأمر إلى طريق آخر، ويتجاهلون أن التحرش ظاهرة مستمرة من عقود، وتصاعدت فى التسعينيات، مع التطرف تماما وتشكل نوعا من التطرف يحتاج مرتكبه لعلاج نفسى مع العلاج القانونى والعقوبات.
مصر تحتل المركز الثانى فى التحرش عالميا بعد أفغانستان، لكن التحرش الجماعى ظاهرة تتفوق فيها مصر، %46 من المتحرشين تحت 20 سنة، وأكثر من النصف أقل من 30 سنة، لكن مرتكبى التحرش والخطف يكونون تحت تأثير المخدرات، ومسلحين، وهو ما يصورهم فى حالة جرأة وتجرؤ على المجتمع والناس، يهددون كل من يقترب بالقتل أو الإصابة، والدليل أن المتحرشين فى التحرير هاجموا الضابط ومزقوا ملابسه. وقبلها اختطفوا فتيات فى التحرير وسرقوا متعلقاتهن، وأموالهن، وسط حضور وفرجة من الموجودين فى الميدان. بما يؤكد أن الجناة مجرمون، ومعروف أن المجرمين تحت تأثير المخدرات يكونون أكثر جرأة، بل إنهم تحت تأثير المخدرات، ينظرون باستهانة واحتقار للضحايا. وهو ما يعنى أن المواجهة معهم يجب أن تكون مواجهة مع مجرم مسلح غائب عن الوعى. كما أن العقاب يجب أن يكون مضاعفا، مثلما يتم تشديد العقوبات على اللصوص فى حال كونهم مسلحين أو ارتكبوا جرائمهم ليلا.
لا يمكن تبرير جريمة التحرش أو الاغتصاب، ولا يمكن التعميم واعتبار كل الشباب متحرشين، لكن البعد الاجتماعى يفترض أن يوضع فى الاعتبار أثناء معالجة المشكلة.
صحيح أن التحرش لا يقتصر على الفقراء وإنما يمتد للأثرياء، وهناك قصص تحرش لفظى ومادى ترويها فتيات تتم من شباب يركبون السيارات، ويمارسون التحرش اللفظى ويطاردون الفتيات، ويتعاطون المخدرات، كما أن الكبت وتأخر سن الزواج، عناصر يفترض أن يضعها المشرع والسياسى فى اعتباره وهو يرصد ويتعامل مع الظاهرة. ونكرر أنه لا تبرير لجريمة التحرش، لكننا كما نتعامل مع التطرف بوصفه ظاهرة اجتماعية وثقافية تتعلق بالثقافة والوعى، فإن التحرش والجريمة بشكل عام لهما أبعادهما الاجتماعية التى يتعين وضعهما فى الاعتبار.
وهناك عناصر أخرى فى قضية التحرش وهو التعامل الإعلامى معها، البعض يسعى لتصوير ونشر جرائم التحرش بهدف الكشف والصدمة، لكن البعض الآخر يتعامل معها بوصفها فضيحة تقدم للمشاهدين وقضية للفرجة والاستعمال الجماعى. وهؤلاء لا يقلون عن المتحرشين، ولا يلجأون للتغطية أو نشر ما يكفى، ويبالغون فى نشر تفاصيل تمثل فضحا للضحايا، وكانت قضية التحرير الأخيرة، مثالا واضحا، لأن بعض من نشروا الفيديو حملوه بنية خبيثة، لم يكن هدفها الكشف، بل المتعة السادية. ولهذا كانت تفاصيل التعرية واضحة. وانضم مرضى إلى الحملة ووضعوا عنوانا قبيحا، فرغوا فيه أمراضهم.
وظاهرة التحرش العقلى سائدة على مواقع التواصل الاجتماعى، بشكل كبير، ورأينا ناشطا يريد السخرية من المحتفلين، فكتب بوست يقول فيه «الميدان يشجع على التحرش»، صحيح أنه اعتذر لكنه كشف عن حالة التحرش العقلى لدى بعض النشطاء، ممن يفترض أنهم ضد التحرش وينضمون لحملات ضده، تماما مثل هؤلاء الذين انتهكوا عرض السيدات فى الاستفتاء أو الانتخابات، ومنهم إعلامى فى قناة الجزيرة وجه شتائم لسيدات مصر، لمجرد أن يرضى القناة فى قطر، وهو مصرى، وهناك ناشط كتب يصف المحتفلات فى التحرير بألفاظ خارجة. كل هذا مع ترويج ونشر الفيديوهات بالتفصيل، يعنى أننا أمام مرض عام. لا يفترض التعامل معه سياسيا. فهى لم تولد اليوم ولا بعد الثورة لكنها جزء من ظواهر تتكرر من سنوات وبرزت بعد تسليط الضوء عليها.
والمواجهة مع التحرش، لا تقف عند تغليظ العقوبات، وقد كانت خطوة مهمة أن أصدر الرئيس السابق عدلى منصور، بتغليظ العقوبات على جريمة التحرش، وهو أمر مهم، لكن كثيرا من المراقبين اعتبروا العقاب أقل من الجريمة وطالبوا بتغليظه، وهو أمر ربما يفعله مجلس النواب القادم، لكن الأهم هو أن يقف المجتمع نفسه، وأن تطور الشرطة أداءها، لمواجهة التحرش، واعتباره مثل جرائم قطع الطرق والسرقة بالإكراه.
وكما قلنا فإن تسييس جريمة التحرش يمنع من فهمها، أو مواجهتها، وإنما المطلوب اعتبارها جريمة اجتماعية تحتاج إلى تعامل مزدوج.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mazen
التحرش والفقر والتخلف والتطرف والتقزم، كلها اعراض لمرض اسمه ( الانفجار السكانى )
عدد الردود 0
بواسطة:
عاطف مصر
لا بتهدد ولاحاجة بلاش مبالغة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هذه افرازات فساد 33 سنه يتم استغلالها سياسيا بواسطة الفالح والشامخ لاعلان الطوارىء
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هذه احدى افرازات الفقر والبطاله والقهر وتجاهل الشباب البائس طيلة 33 سنه كامله
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
المسئوليه كامله تقع على النظام الذى تجاهل الشعب وركز كل اهتماماته بالسلطه والانتخابات
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
مفيش حل والله الا تطهير وتعقيم هذا الفالح وذاك الشامخ-كلاهما عبد للنظام الفاسد وولى النعم
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الى كل محلل للاحداث - هل عالجنا الفقر والبطاله - هل عالجنا البلطجه والزباله والكهربا
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
باختصار - هذا النظام يستهويه سماع الصراخ ومشاهدة اللطم وطبيعى التحرش يلبى الغرضان
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الحاجة ام احمد
القتل لكل من هتك عرض ولد او بنت مهما صغر سنه
اقتل المتحرش يخاف الباقي
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هيبة الدوله لا تاتى بالهمبكه والفهلوه والهنكره واصدار قوانين هشك بشك
بدون