ناصر عراق

هل يكره المثقفون كرة القدم؟

الجمعة، 13 يونيو 2014 02:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المشاهد المذهلة التى رأيناها فى حفل افتتاح كأس العالم بالبرازيل، أمس، تؤكد أن كرة القدم استحوذت على اهتمام نصف سكان الكوكب عن جدارة، وأننا أمام شهر حافل بالإثارة والتشويق والجدية والانضباط، الأمر الذى سيجعل المصريين ينسون دنيا السياسة وألاعيبها، وينغمسون فى المستطيل الأخضر طوال شهر بأكمله.. يشاهدون وينفعلون ويستمتعون.

لكن.. ومع التعتيم الغريب الذى يفرضه المهندس إبراهيم محلب على تشكيل الوزارة الجديدة، والأسئلة الحائرة عمن سيتولى حقيبة وزارة الثقافة، وهل سيبقى الدكتور محمد صابر عرب فى موقعه أم سيغادر الوزارة؟ وهل ستقبل الجماعة الثقافية بأى وزير جديد، أم ستعترض وتعتصم إذا لم يلق القبول؟.. مع كل هذه الأجواء الغامضة تطرح مسابقة كأس العالم سؤالا جوهريًا: هل يكره المثقفون كرة القدم؟ ولماذا؟ أو بتعبير أدق: لماذا ينفر معظم المثقفين من الكرة ويستخفون بالشعب الذى يقبل على متابعتها بروح متوثبة وقلب منشرح؟

ومع تأكيدنا بأن المثقفين ليسوا كتلة واحدة، من حيث التوجه الفكرى، والانحياز السياسى، فإن غالبيتهم اتفقوا على أن انشغال الناس بالكرة يلهيهم عن المطالبة بحقوقهم، أو تنمية وعيهم، أو تهذيب وجدانهم، وقد نسى أولئك وهؤلاء أن أحد أهم أسباب اهتمام الملايين – هل أقول المليارات – بالكرة يعود فى المقام الأول إلى أنها لعبة تتحقق فيها شروط العدل بأقصى درجة من الشفافية والحيادية، والعدل مطلوب ومرغوب فى العالم كله، خاصة فى بلادنا المنكوبة بحكام ظلمة.

خذ عندك هذه الصورة المختصرة: المبارة ستبدأ، لكل فريق 11 لاعبًا، الكل يعرف قوانين اللعبة وموافق على شروطها، هناك حكم يجرى بين اللاعبين ليتابع ويراقب يعاونه اثنان، فمن يخطئ يعاقب فى التو واللحظة، الوقت محدد ومعلوم للجميع سلفًا، فمن يجتهد ويحرز هدفًا يكافأ فى الحال.. أى عدل تطلب أكثر من هذا؟

أذكر أننى حين كنت أتولى موقع مدير تحرير مجلة دبى الثقافية نشرنا تحقيقًا كبيرًا مع بداية كأس العالم 2006، وكان عنوانه (المثقفون وكرة القدم.. علاقة مشبوهة)، وقد سألنا كثيرًا من المثقفين المصريين والعرب آنذاك عن مدى علاقتهم بكرة القدم، وكانت بعض الإجابات تسفّه اللعبة، وتتهم الأنظمة العربية بالترويج لها حتى تتلهى بها شعوبنا المقهورة!
أرأيت.. لقد أغفل الكثير من المثقفين أمرًا بالغ الأهمية عند انتقادهم كرة القدم، وهى أن هذه اللعبة العجيبة يمكن اعتبارها عالمًا موازيًا للحياة الواقعية التى نحلم بها، فالعدل موجود، والمتعة حاضرة، والتشويق دائم ومتجدد، فماذا يريد الإنسان من واقعه أكثر من ذلك؟

بقى أن نشير إلى أننا سنتابع اشتعال المنافسة بين الفرق ونتحسر، لأننا لم نسعد بالمشاركة فى هذا المولد الكروى البهيج، وسنشجع الجزائر بكل طاقتنا لأنها الدولة العربية الوحيدة التى تشارك وتنافس، وقد يأمل المتفائلون خيرًا فى العهد الجديد، ويطالبون أولى الأمر بالعمل فورًا لنفرح بالمشاركة فى كأس العالم 2018، حتى لو ظل المثقفون على حالهم ينفرون من الكرة وجماهيرها!

إنه شهر من المتعة الخالصة والإثارة المبهرة، بعد 41 شهرًا من الصراع العنيف، والأمل المراوغ، والخيبة الثقيلة، فكل كأس عالم وحضرتك طيب.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة